بعد عام من الحادث المروّع في وسط العاصمة

الناجون من هجوم برلين يشكون التهميش وتخاذل الحكومة

صورة

مرّ أكثر من عام على الهجوم الإرهابي الذي وقع بسوق عيد الميلاد «بريتشيدبلاتز» في برلين، ومن المقرر أن ينتهي بذلك عام من الحداد، ولكن ثقل هذا الهجوم، وما حدث منذ ذلك الحين، لا يمكن أن ينسى ببساطة. لقد لقي 12 شخصاً مصرعهم في ليلة الجريمة، وأصيب نحو 100 شخص بجروح، في حين لايزال بعض الضحايا في المستشفيات إلى اليوم؛ وقلة منهم تمكنوا من التغلب على فقدانهم، إما لصحتهم الشخصية، أو فقدان أحد أفراد عائلتهم، ومعظم الجروح أبعد من أن تكون قد التأمت.

دعم مالي قليل

قال رامي إلياكيم، الذي وقع جريحاً في هجوم العام الماضي، إن علاجه الطبي كان ممتازاً، ولكنه تلقى القليل من الدعم المالي من الدولة الالمانية، وتابع: «لقد اضطررت الى الاعتماد على مساعدة خارجية، بعد أن تم الاعتراف بي ضحية للإرهاب. ألمانيا لم تفعل شيئاً». ويوضح ضحية الهجوم الإرهابي، أن العديد من الضحايا اضطروا الى المرور من خلال حقل ألغام بيروقراطي، فقد كافحوا من الناحية المالية وحصلوا على تعويضات غير مجزية. وقد أخذ بعضهم قروضاً مصرفية لتغطية إيجارات ورهون أولئك الذين لقوا حتفهم أو بالنيابة عن أولئك الذين أصيبوا بجروح بالغة ولم يعد بإمكانهم العمل.

10000

يورو هو مبلغ التعويض الرسمي لكل ضحية.

يتحدث أقارب الضحايا عن شيء مختلف في ما يخص ما حدث بعد الهجوم. إنهم يتحدثون عن خيبة أملهم في حكومة فشلت بالنسبة إليهم. إنهم ينتقدون بشدة الدولة التي فشلت في منع الإرهابيين من ارتكاب هجوم في وسط العاصمة برلين، ثم تخلت عنهم، ويؤكدون أن جراحهم لن تلتئم أبداً، إذ إن قصصهم مرعبة!

أمضى أفراد العائلات أياماً وهم يبحثون في شوارع برلين عن أقاربهم أو ذويهم، قبل أن يحصلوا على معلومات تفيد بأن أطفالهم أو آباءهم أو إخوتهم، لايزالون على قيد الحياة. ويقول هؤلاء إن أحداً لم يكن هناك، ليجيب على الخطوط الساخنة، وأن قوائم الضحايا كانت تدار بشكل فوضوي، وأن السلطات غلبت على أمرها، وأن المسؤولين لم يكونوا متجاوبين بشكل مناسب. ويقولون إنه لم تكن هناك نقطة اتصال مركزية يمكنهم الرجوع إليها، كما لم يكن هناك أي شخص يمكن أن يساعد الضحايا والباقين على قيد الحياة من أفراد الأسرة، للتقدم بطلب الحصول على تعويض أو مساعدة. وحتى عندما نشرت الصحف صوراً وتقارير عن مرتكب الجريمة، كانت هناك قصص قليلة عن الضحايا، ويبدو أنها قد نسيت.

رسالة تعزية

لم تكن هناك أية مناسبة رسمية لإحياء ذكرى القتلى، كما حدث في فرنسا المجاورة. وفي إيطاليا، كان رئيس البلاد حاضراً عندما وصلت جثة مواطن إيطالي قُتل في الهجوم الإرهابي، بينما في بولندا، ركب رئيس البلاد أيضاً أمام نعش سائق شاحنة لقي مصرعه في هجوم برلين. أما في ألمانيا فلم ترسل المستشارة أنغيلا ميركل حتى رسالة تعزية إلى عائلات الضحايا. وبدلاً من الزيارات أو الاعتراف بهول ما حدث لهم، حصل أفراد الأسر الباقون على قيد الحياة، على فواتير فحوص الطب الشرعي، نحو 60 دولاراً، على أن تدفع في غضون 30 يوماً، وإلا سيتم تحويلها إلى جهات تحصيل الديون.

ومع مرور الأيام، أدرك أفراد العائلات الناجون، الفشل الذريع وجهود التستر من قبل سلطات التحقيق، وعلموا أيضاً أن الجاني لديه نحو 12 هوية مفترضة، وأنه كان تاجر مخدرات، وأنه شخص مخادع، تمكن من إعداد هجوم إرهابي متحدياً السلطات. ومع ذلك، عمد المسؤولون المكلفون بإنفاذ القوانين إلى ترتيب الملفات، لإخفاء إخفاقاتهم في الفترة التي سبقت الهجوم. ومع مرور الزمن، تحولت خيبة الأمل إلى غضب وتذمر. وعشية الذكرى السنوية الأولى، أجرت مجلة «دير شبيغل» مقابلة مع الناجين والشهود على الهجوم الإرهابي في «بريتشيد بلاتز»، كما اطلع مراسلو المجلة على آلاف الصفحات من الوثائق الداخلية، وقابلوا أشخاصاً تربطهم علاقات بالضحايا.

ويظهر غضب المتضررين من الهجوم في رسالة مفتوحة، من أفراد أسر الضحايا الذين توفوا، الى المستشارة الألمانية. وكتبوا فيها أن المستشارة لم ترقَ إلى مستوى منصبها في التعامل مع الهجمات. وأضافت الرسالة «إننا نتوقع بشدة منكم أن تساعد الحكومة الألمانية أسرنا بشكل شامل، بعيداً عن البيروقراطية». والهجوم على بريتشيد بلاتز، كما كتب هؤلاء، «هو أيضاً النتيجة المأساوية للركود السياسي من جانب حكومتكم».

ضربة قاسية

كان الشاب لوكاس أوربان من بين ضحايا الدهس الذي قام بها المهاجر أنيس العامري، الذي كان يخضع لمراقبة الشرطة منذ زمن طويل، لكن ليس في الأسابيع التي سبقت الاعتداء. وتقول والدة الضحية، البولندية جانينا أوربان، التي فقدت ولداً آخر من قبل: «ساعدني ذهابي إلى الكنيسة على تخطّي محنتي»، ويقول مقربون منها إن العائلة عايشت مصائب عدة، وكان موت لوكاس ضربة قاسية أخرى للعائلة. وتعرضت جانينا لأزمة صحية حادة، لكن عائلتها الكبيرة وجيرانها وأصدقاء العائلة لم يتخلوا عنها.

وبعد ثلاثة أشهر من الحادث، عينت الحكومة الألمانية كورت بايك، مندوباً لشؤون أسر الضحايا، الذي يقول إن الحكومة أخطأت التقدير في هذه المسألة. وكان الرئيس الألماني السابق يواخيم غاوك قد التقى شخصياً بأسر الضحايا، لكن المستشارة لم تفعل ذلك إلا قبل فترة وجيزة، وهذا ما اعتبره المعنيون «نقصاً واضحاً» في التزام المستشارة تجاه شعبها والعاملين في المانيا، وفقاً لبايك. وتقول جانينا إنها لاتزال تحتفظ بذكريات جميلة من اللقاء مع الرئيس الألماني، الذي سألها عن تاريخ ميلاد ابنها.

وعلمت جانينا بمقتل ابنها عن طريق مكالمة هاتفية من ابن أختها، وكيل الشحن أرييل زورافسكي، الذي كان أيضاً رئيسه في العمل. وعبر زورافسكي عن غضبه عما حصل، ومازال يأمل في الحصول على تعويض من ألمانيا، وهو حزين بسبب وفاة ابن عمه لوكاس الذي كان أفضل سائق لديه. وهو يكافح عبر محاميه في برلين من أجل الحصول على تعويض إضافي. وحصل وكيل الشحن البولندي على 10 آلاف يورو كتعويض، مثل بقية الأسر الأخرى، من صندوق خاص لوزارة الخارجية، لكن الخسارة التي تكبدها تفوق بكثير ما حصل عليه.

مساعدة محدودة

في المقابل، بذل مندوب شؤون الضحايا قصارى جهده لمساعدة زورافسكي، إلا أن المساعدة ظلت محدودة. ويُلاحظ أن السلطات ألألمانية لم تكن جاهزة للتعامل مع تداعيات الحادث الإرهابي والتجاوب مع متطلبات أسر الضحايا، مثل ما حصل في فرنسا بعد الهجومين في العاصمة باريس، ومدينة نيس، حيث كانت الترتيبات هناك مختلفة.

وقال أقارب الضحايا إن أول اتصال رسمي مع السلطات، هو خطاب أرسله إليهم مكتب الطبيب الشرعي. وتفيد التقارير بأن الرسالة تضمنت تحذيراً مفاده أنه إذا لم يتم دفع الفواتير في غضون فترة زمنية معينة، فإن المتلقين للعلاج سيواجهون إجراءات قانونية. وقالت إحدى القريبات لصحيفة «دير تاجسبيجيل» وصحيفة «دي فيلت»، إنها عندما تلقت الرسالة كانت تعتقد أنها ستكون رسالة تعزية من عمدة برلين، على الأقل.

لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر