وفاة «مهسا أميني» أطلقت شرارتها

احتجاجات «قانون الحجاب» قد تتحوّل إلى موجة «ثورية» داخل إيران

صورة

منذ أن تم الإعلان عن قانون «الحجاب والعفة» في إيران في يوليو الماضي، تواجه الدولة موجة متصاعدة من السخط الشعبي والاحتجاجات، تشارك فيها شريحة واسعة من المجتمع، بدأت بالنساء، حيث يفرض عليهن القانون ارتداء الحجاب في الأماكن العامة كافة، والالتزام بمعايير محددة للملبس، ويحق لشرطة الأخلاق معاقبة غير الملتزمات بالحجاب، وكذلك معاقبة ذوات «الحجاب السيئ»، وقد تصل العقوبة للاحتجاز.

وعلى الرغم من حالة التوتر والغضب التي صاحبت القانون منذ الإعلان عنه، وقيام الكثير من السيدات بتحدي القانون، على غرار حملة المعارضة التي انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي لمطالبة السيدات بالخروج في الأماكن العامة من دون حجاب في يوم 12 يوليو، وهو اليوم الموافق لـ«اليوم الوطني للحجاب والعفة»، أملاً في تراجع الحكومة عن القانون، فإن القانون قد تم توقيعه بالفعل في 15 أغسطس 2022. ما أسفر عن تصاعد موجة من الاحتجاجات المنددة بالقانون من جانب، وارتفاع حدة العنف وقمع التظاهرات من جانب الأجهزة الأمنية، خصوصاً من قبل الشرطة الأخلاقية، من جانب آخر، حيث تم احتجاز مئات المتظاهرات.

وما أن وقعت حادثة وفاة «مهسا أميني»، بعد أن احتجزتها شرطة الأخلاق، حيث كانت الفتاة ذات الـ22 عاماً، في زيارة لمدينة طهران حين تم القبض عليها لارتدائها الحجاب بصورة سيئة، حتى اتخذت موجة الاحتجاجات منحى تصاعدياً، حيث انتقلت عدوى التظاهرات بوتيرة سريعة لمدن عدة، حتى وصلت إلى العاصمة طهران، كما شملت الاحتجاجات فئات اجتماعية مختلفة، وارتفعت حدة التوترات والاشتباكات العنيفة بين قوات الأمن والمتظاهرين، الأمر الذي وصفه كثيرون بأنها الاحتجاجات الأسوأ في إيران منذ سنوات طويلة. وتثير الأوضاع الجارية تساؤلات حول احتمالات اندلاع موجة «ثورية» داخل إيران».

انتشار الاحتجاجات

بدأت التظاهرات في مدينة سقز، مسقط رأس أميني، ثم انتقلت سريعاً عبر مدن إقليم كردستان بشمال غرب البلاد، وخلال أيام قليلة انتشرت الاحتجاجات في عدد كبير من المدن، حتى وصلت إلى أكثر من 50 مدينة كبيرة وصغيرة، بحسب وكالات الأخبار الدولية، بما في ذلك العاصمة طهران، وكذلك المدن «الدينية» مثل مدينة قم، التي تتضمن معظم المعاهد الدينية الإيرانية، الأمر الذي يشير إلى مدى الاحتقان الشعبي حتى في المناطق «المحافظة». ولم تقف الاحتجاجات على مستوى الداخل الإيراني فقط، بينما توازيها احتجاجات على مواقع التواصل الاجتماعي ومسيرات احتجاجية من الجالية الإيرانية بالخارج في بعض الدول، منها مسيرة بتورنتو هتفت باسم «مهسا أميني» لدعم المحتجين الإيرانيين.

تحدي الشرعية «الدينية» للنظام

في إطار تصاعد الاحتجاجات التي بدأت في إطار سلمي، اتخذت التظاهرات في بعض المدن منحى أكثر عنفاً، حيث أضرم المحتجون النيران في بعض مراكز الشرطة، خصوصاً في المدن التي شهدت اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين. وإلى جانب الممارسات العنيفة الصادرة من الجماهير رداً على تعرّضهم للعنف من قبل الشرطة، قام بعض المحتجين، خصوصاً من النساء بـ«حرق الحجاب» أثناء الاحتجاجات في تحد واضح للسلطة الدينية.

اتساع الفئات المشاركة

على الرغم من ارتباط الاحتجاجات بصورة أساسية بالنساء بسبب تداعيات قانون الحجاب والعفة، ما جعل السيدات الفئة الأساسية المشاركة في التظاهرات، فإنها لم تقتصر عليهن، فقد انضم العديد من الفئات ليس فقط من الرجال، ولكنها ضمت أيضاً التيارات الليبرالية والمحافظة، فضلاً عن العرقيات المختلفة، فلم تقف الاحتجاجات عند إقليم كردستان، بل وصلت إلى المدن الفارسية أيضاً.

انتقال الغضب من «الشرطة» إلى «النظام»

على الرغم من اندلاع التظاهرات تنديداً بممارسات الشرطة الأخلاقية في المقام الأول، فإن فشل الحكومة في احتواء الاحتجاجات، واتخاذ إجراءات تعمل على تهدئة الرأي العام سريعاً، قد أسفر عن تجاوز غضب الجماهير للشرطة، وامتد إلى النظام الإيراني ذاته، حيث تصاعدت الهتافات المضادة للنظام والمطالبة بإسقاطه، كما هتفت التظاهرات بسقوط خامنئي وابنه مجتبي، الذي كان يروّج له ليكون خليفة المرشد.

دعم دولي للاحتجاجات

لاقت الاحتجاجات بإيران ردود فعل دولية، خصوصاً أنها مرتبطة هذه المرة بحادثة عنف ضد امرأة، ما يجعلها جاذبة للرأي العام الدولي بصفة عامة والغربي بالأساس، وبغض النظر عن التصريحات التي أدلى بها بعض الرؤساء، مثل إيمانويل ماركون، وجو بايدن، غير أن اللافت للنظر دعوة بلينكن لإيلون ماسك بمساعدة الإيرانيين للوصول إلى خدمات الإنترنت، من خلال تفعيل خدمة الاتصال بالأقمار الاصطناعية «ستارلينك»، وقد أعلن بدوره بدء تفعيل الخدمة في إيران. كما نشر تطبيق «سيغنال» (signal) تعليمات كاملة حول إنشاء خوادم لمساعدة المستخدمين الإيرانيين على فلترة الإنترنت، وطلب تعاون خبراء التكنولوجيا في العالم المستعدين لمساعدة الشعب الإيراني.

تمسك حكومي بالقمع

على الرغم من تصاعد حدة التظاهرات، وانتشارها عبر معظم أنحاء الدولة، لم تتخذ الحكومة الإيرانية أي إجراءات لاحتواء حالة الغضب الشعبي الذي تواجهه، واكتفت الحكومة باستخدام زراعها الأمنية بالأساس، وتصعيد العنف ضد المتظاهرين في الشوارع من جانب، وتهديد الآخرين الذين يشاركون أو يؤججون التظاهرات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

تصعيد العنف ضد المحتجين

اعتمدت الحكومة بصفة أساسية على أذرعها الأمنية للقضاء على الموجة الاحتجاجية الحالية، وهو ما أدى إلى تصعيد العنف مع انتشار وزيادة كثافة التظاهرات، وقد ارتفعت حصيلة القتلى إلى 35 شخصاً على الأقل، بحسب وكالة «بي بي سي نيوز» البريطانية، وذلك حتى نهاية يوم الجمعة 23 سبتمبر. كما تشير الأخبار الصادرة من «إيران إنترناشيونال» إلى تكثيف الأجهزة الأمنية تعقب الناشطين والمدوّنين بدول عدة مختلفة.

تظاهرات مؤيدة للدولة

دعت الحكومة الإيرانية لتنظيم تظاهرات داعمة للحجاب رداً على الاحتجاجات المناهضة له، حيث خرجت يوم الجمعة مسيرات عدة بمدن مختلفة من طهران وقم والأهواز وغيرها، وقد خرجت النساء مرتدية (التشادور)، وحمل المشاركون صوراً لخامنئي وأعلاماً إيرانية. ويبدو أن هذه الخطوة يقصد بها مخاطبة الإعلام الدولي وإرسال إشارة ضمنية أن الاحتجاجات التي يتم دعمها لا تعبّر عن معظم الإيرانيين. غير أن هذه الخطوة لها خطورتها من جانب آخر إذا تم جر التيارين إلى اشتباكات بينهما، وفي كل الأحوال تزيد من حالة الاستقطاب الداخلي.

الاستعانة بقوات الأمن النسائية

استعانت الحكومة لأول مرة بوحدة الأمن النسائية (فراجا) بشكل كامل لتفريق التظاهرات، وقد يكون الهدف من ذلك تخفيف حدة الانتقادات لقوات الأمن الأخرى (الذكورية) أثناء تعرّضهم للمتظاهرات أو التعدي عليهن بالعنف، خصوصاً الادعاءات الدينية التي تغلف بها الحكومة ممارستها. وفي كل الأحوال لا تعد القوات النسائية أقل سوءاً في عنفها، بينما زادت الاعتقالات وفض التظاهرات بالإجراءات العنيفة.

وقف خدمات الإنترنت

قامت الحكومة بوقف خدمات الاتصالات والإنترنت منذ يوم الخميس 22 سبتمبر، لإعاقة التواصل بين المتظاهرين في شوارع المدن، وإنهاء عمليات التعبئة والتفاعلات الجارية على مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركة مقاطع الفيديو والمنشورات التي تؤجج حالة الاحتقان الداخلي، ومن جانب آخر لإعاقة وصول التطوّرات إلى الإعلام الدولي.

بوادر ثورة أم لا؟

على الرغم من صعوبة توقع مسار الاحتجاجات الجارية وعواقبها، فإن خطورتها تأتي في ظل السياق الحالي في إيران، حيث وصلت الأوضاع الاقتصادية جرّاء العقوبات الدولية والأزمات المتلاحقة إلى أدنى مستوياتها، ويعيش المجتمع الإيراني في ضغوط اقتصادية شديدة، وتردت الأوضاع المعيشية ووصلت البطالة إلى معدلات مرتفعة، فضلاً عن زيادة مستوى التضخم، وقد أخفقت الحكومة في التعامل مع الأزمات المتلاحقة على رأسها أزمة المياه، وجائحة «كورونا». كل هذه العوامل مجتمعة، وغيرها وضعت الداخل الإيراني في حالة احتقان وغضب شديدين، وبينما ينتظر الشعب الإيراني حلولاً من الدولة لتحسين أوضاعه، يركز النظام على تطبيق قواعد ثقافية ودينية صارمة، ولا يلقي بالاً لتحسين معيشة المواطنين.

ولايزال تحول الاحتجاجات إلى ثورة عامة تهز كيان النظام السياسي مرهوناً بعوامل عدة، أهمها تماسك المؤسسات نفسها، وإمكانية انضمام تيار من داخلها لموقف الرأي العام، والمدى الزمني لاستمرار الاحتجاجات بالزخم نفسه، وعدم تحولها لاشتباكات أهلية بين مؤيد ومعارض للنظام، ومدى إمكانية انتهاز الجماعات الانفصالية في المناطق الطرفية، مثل إقليم كردستان وبلوشستان انشغال المؤسسات الأمنية بفض الاحتجاجات، لشن هجمات ضد النظام وإرباكه وتقويض قدرته على احتواء الفوضى، إضافة إلى مدى تدخل العامل الخارجي لدعم الاحتجاجات والضغط على النظام الإيراني لإحداث تغيير.

وحتى إذا استطاعت الدولة إنهاء التظاهرات الحالية بصورة أو بأخرى، فلن تكون الأخيرة من نوعها على المدى المنظور، ما لم يقدم النظام على إصلاحات حقيقية تحسّن من الأوضاع الاقتصادية، خصوصاً أن المرحلة التي تمر بها إيران حالياً تشبه إلى حد ما الفترة السابقة على الثورة الإسلامية 1979، التي سبقتها موجات عدة من الاحتجاجات وسلسلة من التظاهرات انتهت بالثورة.

• على الرغم من ارتباط الاحتجاجات بصورة أساسية بالنساء، بسبب تداعيات قانون الحجاب والعفة، ما جعل السيدات الفئة الأساسية المشاركة في التظاهرات، فإنها لم تقتصر عليهن، فقد انضم العديد من الفئات ليس فقط من الرجال، ولكنها ضمت أيضاً التيارات الليبرالية والمحافظة.

• على الرغم من تصاعد حدة التظاهرات، وانتشارها عبر معظم أنحاء الدولة، لم تتخذ الحكومة الإيرانية أي إجراءات لاحتواء حالة الغضب الشعبي الذي تواجهه، واكتفت الحكومة باستخدام ذراعها الأمنية بالأساس، وتصعيد العنف ضد المتظاهرين في الشوارع.

تويتر