أطفال القطاع يواجهون أزماتهم النفسية بالموسيقى

مشروع «استمتع بحياتك» الفني يرتقي بصحة الصغار المحاصرين في غزة

صورة

على وقع أغاني «على الكوفية» و «يا ظريف الطول» و«رماني الهوى» التراثية، تقضي الطفلة حور السماك ساعات عديدة داخل مركز «السنونو» للثقافة والتراث في قطاع غزة، منسجمة مع الألحان الموسيقية، في محاولة منها للترفيه عن نفسها، وتعزيز مواهبها. وبين الترفيه عن النفس وتعزيز المواهب، تمكنت الطفلة حور (11 عاماً)، من التغلب على أزمات نفسية رافقتها عقب الحرب الإسرائيلية الأخيرة ضد قطاع غزة في شهر مايو الماضي، والتي تسببت لها في عزلة عن محيطها الاجتماعي داخل منطقة سكنها ومدرستها، وحتى أفراد عائلتها. ورافقت الطفلة السماك أزمة نفسية قاسية، بفعل مشاهد الصواريخ التي دمرت المنازل المجاورة لها، وأبادت عشرات الأطفال، ولكن اليوم أصبحت أكثر تفاعلاً مع الجميع، بفعل مشاركتها في فعاليات فنية تراثية على مدار أسابيع متواصلة.

دعم نفسي

الطفلة حور نجحت ومئات الأطفال الغزيين في تخطي الأزمات النفسية الحادة التي عكرت صفو حياتهم، عبر تلقي جرعات مكثفة من العلاج بالموسيقى، وذلك من خلال مشروع «استمتع بحياتك بالموسيقى»، والذي أطلقته مؤسسة «السنونو»، للارتقاء بالصحة النفسية لطلاب المدارس في قطاع غزة، وعلاجها بالموسيقى.

وبلغ أولئك الأطفال مرحلة الشفاء، جراء مشاركتهم في الأنشطة الموسيقية التي فتحت الباب مشرعاً أمام قدراتهم ومواهبهم، إلى جانب تهيئتهم لاستخدام الموسيقى كوسيلة إبداعية للتعبير عن أنفسهم، ما يؤدي إلى تحسين صحة الطلبة النفسية.

من جانبها، تقول منسقة مشروع «استمتع بحياتك بالموسيقى» في مؤسسة «السنونو» للثقافة والتراث، رانيا الشريحي، في حديث خاص مع «الإمارات اليوم»، إن الأوضاع الصعبة التي يعانيها أطفال غزة، جراء الحروب الإسرائيلية التي طالت جميع مناطق القطاع، كانت كفيلة بتكوين حالة من الرعب لدى الأطفال من خلال مشاهدة عمليات القصف والدمار، والإبادة الجماعية، وفقدان أو جرح أحد أقربائهم أو جيرانهم.

وتضيف أن «هذه الأحداث نتج عنها إصابة أطفال غزة بحالات صدمة أو آثار ما بعد الصدمة، والتي أثرت فيهم نفسياً، وفي تحصيلهم الدراسي ومدى تركيزهم، هذا بدوره يضعنا في موقع مسؤولية للتدخل الفوري والسريع عن طريق برامج ومشروعات خاصة، تسهم في خلق أجواء الفرح والمرح والتفاعل الإيجابي مع أقرانه».

وتشير الشريحي إلى أن مشروع «استمتع بحياتك» الموسيقي يأتي كتدخل طارئ ووسيلة للدعم النفسي الاجتماعي للأطفال المتأثرين بالحروب والأزمات في قطاع غزة، خصوصاً الأحداث التي شهدها القطاع في مايو 2021، والتي طالت العديد من المدارس وضواحيها.

وتوضح أن فكرة المشروع تستند إلى استخدام الموسيقى كوسيلة علاجية وتقنية حديثة، ضمن تقنيات الدعم النفسي، وذلك من خلال إشراك الأطفال طلبة المدارس في تدريبات عزف وغناء فردي وجماعي، خصوصاً الذين تعرضوا مباشرة للعنف.

وتمضي الشريحي بالقول: «إن هذه التقنيات تؤثر في شخصية الطفل إيجابياً من خلال تنمية مهاراته، ومساعدته للتغلب على المشكلات النفسية الداخلية، التي تأتي نتيجة للظروف الصعبة التي يتعرض لها الأطفال في غزة، والتي ينتج عنها العديد من المشكلات العضوية.

ومن الأزمات النفسية التي أسهمت أنشطة «استمتع بحياتك» الموسيقية، في القضاء عليها لدى الاطفال، العزلة، والانطواء، وحالات الاكتئاب الحادة، إلى جانب الشرود الذهني، وذلك بحسب الشريحي.

وتلفت منسقة مشروع «استمتع بحياتك» إلى أن مشاركة الطفل في برامج العزف الغنائي الفردي والجماعي، تسهم في كسر حواجز الخوف لديه، وتعزز من ثقة الطفل بنفسه، كما تساعده في تنمية مهارات التفكير الإيجابي واكتساب حس العمل الجماعي، إلى جانب غرس قيم تعزيز الهوية الفلسطينية في نفوس الأطفال.

تفاعل إيجابي

لقي مشروع «استمتع بحياتك» تفاعلاً إيجابياً من الأطفال، جراء إقبالهم على المشروع الفني الموسيقي، للمشاركة في برامج العزف والغناء، والدبكة الشعبية. وتقول منسقة مشروع «استمتع بحياتك» إن 840 طفلاً يشاركون بشكل دوري في برامج الكورال، تحتضنهم مؤسسة السنونو بشكل مجاني، لتعزيز مواهبهم، أما آلاف الأطفال من جمهور المؤسسة الخارجي، خصوصاً المناطق المهمشة والنائية والأكثر عرضة للقصف والدمار، شاركوا في فعاليات المشروع الفني الموسيقي، والتي أسهمت في علاج أزماتهم النفسية.

وتواصل الشريحي حديثها «أظهرت تقارير المتابعة والتقييم التي أعدتها المؤسسة ضمن المرحلة الأولى من مشروع (استمتع بحياتك بالموسيقى) مؤشرات عالية لاستجابة الأطفال للأنشطة الموسيقية المنفذة، حيث كشفت عن ارتفاع مستويات التركيز لدى الأطفال، وتمكينهم من استخدام العديد من تقنيات تخفيف الضغوط، مثل، الاستماع للموسيقى، واللعب بالموسيقى، والرسم بالموسيقى».

من جانب آخر، تقول والدة الطفلة حور السماك: «إن ابنتي كانت تعاني العزلة المفرطة وعجزها عن التعبير عن نفسها، إلا أنه بعد مشاركتها في أنشطة (استمتع بحياتك)، أصبحت أكثر قدرة على التعبير عن نفسها». وتضيف «عقب أحد أنشطة مشروع استمتع بحياتك أرسلت لي ابنتي رسالة عبر الهاتف المحمول تخبرني بأنها نسجت علاقات صداقة مع غيرها من الأطفال، وبعد عودتها إلى البيت قضت وقتاً طويلاً تردد الأغاني التي تلقتها عبر المشروع الفني الموسيقي».

• فكرة المشروع تستند إلى استخدام الموسيقى كوسيلة علاجية وتقنية حديثة، ضمن تقنيات الدعم النفسي.

تويتر