يعتمد عليهن للقيام بعمليات مهمة

«داعش» يعمل على استعادة سطوته بواسطة نساء التنظيم

صورة

بعد أقل من عامين على تدمير تنظيم «داعش» في سورية والعراق، يبدو أن هذا التنظيم الذي اتسم بسمعة هي الأسوأ في العالم، قد بدأ يظهر علامات جديدة ومرعبة على انبعاثه من جديد في الشرق الأوسط.

وفي العام الماضي، صعّد تنظيم «داعش» من هجماته في العراق وسورية، مظهراً أنه لايزال قادراً على استعادة الأراضي التي كان يسيطر عليها، ويجند أعضاء جدداً في التنظيم. وخلال يناير الماضي أعلن التنظيم مسؤوليته عن أكثر هجماتها فتكاً، خلال السنوات الثلاث الماضية، عندما قام اثنان من الانتحاريين بهجوم تفجيري في بغداد، أدى الى مقتل نحو 32 شخصاً. وفي واقع الأمر فقد انتعش تنظيم «داعش» خلال جائحة كورونا، وتمكن من استغلال الفجوات الأمنية الناجمة عن حالات الإغلاق وطرق التعامل الحكومية الأخرى مع الجائحة من أجل إعادة تجميع صفوفه، وتنفيذ حالات هروب من السجون، والتخطيط لهجمات متطورة، وتهريب أعضائه عبر الحدود.

ويرجع الفضل للقيام بكل هذه الخطوات إلى مجموعة من النساء، وأشارت التقارير الأخيرة، على سبيل المثال، إلى أن «داعش» أصبح مرة أخرى يعتمد إلى حد كبير على النساء من أجل الدعم اللوجستي في شمال العراق، وربما يعود إلى تنشيط خلاياه النسائية النائمة. وقامت قوات الأمن العراقية في شهر فبراير الماضي باعتقال خمس نساء في بلدة حمرين في العراق، يعملن على نقل الأموال والمواد الغذائية، والرسائل لصالح تنظيم «داعش»، وإضافة إلى ذلك بدأت هؤلاء الناشطات في التنظيم المتطرف، بالتوسع نتيجة جيل جديد من المتطرفات اللاتي يعشن في مخيمات اللاجئين والنازحين المختلطة في سورية.

ويقدم مخيم الهول للاجئين في شمال سورية مثالاً كبيراً على هذه المخيمات المختلطة، وهو أضخم مخيم للنازحين الهاربين من منازلهم ويقع في شمال شرق سورية، وتديره قوات سورية الديمقراطية، وحالياً يتسع لنحو ستين ألفاً من ضحايا وأفراد عائلات «داعش»، حيث يشكل الأطفال والنساء 94% منهم. ولطالما استفاد تنظيم «داعش» من بيئات السجون واللاجئين، التي يمكن أن تصبح أرضية خصبة من أجل تلقين المبادئ المتشددة للتنظيم وسهولة التواصل في ما بين أفراده، وأثبت مخيم الهول والمخيمات الأخرى أنها ملائمة جداً لهذا الغرض.

تحذيرات

وللتأكيد على الخطر الناجم عن هذه المنشآت، حذر المسؤولون الاميركيون من أن «داعش» حوّل مخيم الهول والمخيمات الأخرى التي تضم النازحين إلى قاعدة فعالة من أجل عملياته، ويرجع ذلك إلى أن العديد من السوريين الذين يعيشون داخل هذه المخيمات يستمرون بالتواصل مع العالم الخارجي عن طريق استخدام الهواتف المحمولة، الأمر الذي يسمح لهم بالبقاء على تواصل مع الأعضاء الآخرين لـ«داعش».

وتلعب هذه المخيمات دور مصدر الرزق لتنظيم «داعش»، ومن المعروف ضمن أفراد المخيم أن أعضاء «داعش» منخرطون في أعمال تزييف المستندات، إضافة الى تزوير الوثائق الأخرى والتلاعب بالأعمال المالية. وأشار تقرير لوزارة الخزانة الأميركية أخيراً إلى أن تنظيم «داعش» قام بتأمين جزء من احتياطه المالي البالغ 100 مليون دولار عن طريق تبديل الأموال غير الرسمي المعروف باسم «حوالات» والموجودة في مخيمات النزوح السورية.

وعلى الرغم من أن النساء داخل المخيمات يتمتعن بتأثير مهم على «داعش»، فإن التنظيم المتطرف يعترف أيضاً بالقيمة الاستراتيجية للسجناء السابقين أيضاً. وركز تنظيم «داعش» على اقتحام السجون وإطلاق سراح نزلائها كطريقة سريعة لتعزيز قواته وتحقيق انتصارات كبيرة في الدعاية. وفي الفترة ما بين 2012 و2013 شن تنظيم «داعش» حملة على السجون أدت إلى إطلاق المئات من السجون في العراق خلال عمليات اقتحام متفرقة للسجون، وشكلت الأرضية المناسبة لجعل «داعش» قوة محلية، وأدت هذه الحملة ودعوات قيادة التنظيم إلى القيام بعمليات مشابهة، إلى جعل الخبراء يحذرون من أن اقتحام السجون يظل مكوناً أساسياً للتخطيط الاستراتيجي للتنظيم.

وبصورة عامة فإن تنظيم «داعش» يتميز بتاريخ طويل من استخدام النساء في الهجمات، إضافة إلى الدعم، وقامت النساء العاملات في التنظيم ليس بدور جواسيس ومراسلين تابعين له فقط، وإنما كمنفذين للعمليات أيضاً. وتم تدريب العديد من النساء على استخدام المتفجرات، أو العمل قناصات، أو مقاتلات، او انتحاريات. ويعكس هذا التركيز حقيقة بشعة، مفادها أن النساء غالباً ما يكنَّ قادرات على تقديم الدعم لتنظيم «داعش».

وداخل مخيم الهول على سبيل المثال، كانت النسوة في طليعة من يقدمون التفسير المتطرف للدين الإسلامي. ووفق أحد التقارير الصادرة عام 2019، كانت النساء المحبوسات في مخيم الهول «يفرضن نظامهن المتطرف»، حيث يترأس السجن امرأة «أمير» تعمل على تنظيم أمور الحياة اليومية، بما فيها قوانين التعامل مع الملابس، والعقوبات. وكان هذا الشكل من الإدارة الذي تقوده امرأة موجوداً خلال الهجمات على السجون التي لم يكن نزلاؤها من أنصار «داعش». وفي عام 2021 كان هناك نحو 47 حالة قتل داخل المخيم لها علاقة بتنظيم «داعش».

استغلال الظروف

واستغل «داعش» الظروف السيئة داخل المخيم لأهداف جمع التمويل والتجنيد بذريعة تحسين ظروف المعيشة. وخلال خطابه الأخير في سبتمبر 2019 حث الزعيم السابق لداعش أبوبكر البغدادي أفراد تنظيمه على تحرير النساء في مخيمات النزوح. وحتى بعد مقتل البغدادي، استغل التنظيم تسجيلات الفيديو لنساء وأطفال داخل مخيم الهول من أجل تحقيق أغراضهم.

وفي مايو 2020، حذر تقرير حكومي من الولايات المتحدة من احتمال قيام «اقتحامات جماعية للسجون» التي يوجد بها أفراد «داعش» في المخيمات السورية بعد مخاوف تتعلق بإدارة قوات سورية الديمقراطية، والظروف داخل المخيمات، واحتمال وقوع اضطرابات تؤدي إلى اقتحامات للسجون.

ونتيجة كل هذه المخاوف، هرب الكثير من النساء والعائلات التابعين لتنظيم «داعش» من مخيم الهول والمخيمات الأخرى عن طريق دفع المال للمهربين، وتراوحت المبالغ المدفوعة للهرب من مخيمات شمال سورية ما بين 3000 و100 ألف دولار. ووفق «مركز روجافا الإعلامي» في شمال سورية، فقد تم تهريب نحو 200 شخص من مخيم الهول في عام 2020 وحده. ويبدو أن النساء اللاتي بقين في مخيم الهول قمن بحملات عبر وسائل التواصل الاجتماعي على موقع «إنستغرام»، لجمع المال الذي يحتجن إلى دفعه للمهربين. وكانت هذه الحملات تتم باللغات العربية، والإنجليزية، والألمانية، وترتبط بحسابات على شركة «باي بول» المالية الأميركية، والتي تنقل الأموال عبر الحوالات إلى داخل المخيمات عن طريق شبكة الإنترنت.

ويبدو أن مجموعة النساء في تنظيم «داعش» يمكن أن تتزايد في الحجم والأهمية، وهذا بدوره يشكل اعتبارات فريدة للمجتمع الدولي، وغالباً ما يتم معاملة الأفراد النساء في التنظيمات الإرهابية باعتبارهن ضحايا، ولا يخضعن للتحقيق والتركيز الذي يخضع له أقرانهن من الرجال، ولكن في حالة «داعش» فإن التعامل على هذه الطريقة يعتبر خطأ كبيراً، ويمكن أن يثبت مدى فداحته في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك.

• انتعش تنظيم «داعش» خلال جائحة كورونا، وتمكن من استغلال الفجوات الأمنية الناجمة عن حالات الإغلاق وطرق التعامل الحكومية الأخرى مع الجائحة من أجل إعادة تجميع صفوفه، وتنفيذ حالات هروب من السجون، والتخطيط لهجمات متطورة، وتهريب أعضائه عبر الحدود.

• أشارت التقارير إلى أن «داعش» أصبح مرة أخرى يعتمد إلى حد كبير على النساء من أجل الدعم اللوجستي في شمال العراق، وربما يعود إلى تنشيط خلاياه النسائية النائمة.

إيميلي برزيبورسكي - زميلة في «أميركان فورين بوليسي كاونسل»

تويتر