كي لا تؤدي إلى نتائج عكسية

يجب على إدارة بايدن إعادة النظر في سياستها إزاء إيران

من الناحية العملية الاستراتيجية الدبلوماسية للرئيس بايدن تعزز قوة «حزب الله». أ.ب

تنهار قيمة الليرة اللبنانية بسرعة كبيرة، في حين أن الحكومة تثبت سعرها الرسمي 1500 ليرة لكل دولار أميركي، بينما سعر الليرة في السوق السوداء يعادل 10 أضعاف هذه القيمة. ولطالما أدرك اللبنانيون، دائماً، كيف تقوم النخب الحاكمة في بلدهم بتحويل أو سرقة مليارات الدولارات، التي قدمها المجتمع الدولي والبنك الدولي لحكومتهم، بيد أن الانحدار الذي تواجهه عملتهم الوطنية يشكل تحدياً كبيراً لحياتهم اليومية، على نحو لم يشهدوه منذ مرحلة الحرب الأهلية 1975-1992.

وقبل نحو أسبوعين، اندلعت معركة بالأيدي في عدد من المتاجر بمدينة النبطية الواقعة جنوب لبنان في معقل «حزب الله». وقبل أسبوع، كادت تقع اضطرابات في مناطق مختلفة لسلسلة متاجر «رمال»، التي يملكها «حزب الله» في الضاحية، معقل «حزب الله» في جنوب بيروت، عندما كان المتسوقون يتقاتلون للحصول على مواد غذائية مدعومة.

وخلال الأسبوع المنصرم، توتر الوضع من جديد. ويعتبر الطريق الذي يمر من جنوب لبنان إلى شماله بمحاذاة الحدود السورية، بمثابة شريان الحياة بالنسبة للبنان. ورغم أن الدبلوماسيين والصحافيين يقولون إن سكان جنوب لبنان معظمهم من الشيعة، فإن الأمر ليس كذلك، وإنما أكثر تعقيداً، لأن الطريق يمر من العديد من البلدات غير الشيعية. وخلال الأيام الماضية، قام سكان من بلدة الناعمة، وهي بلدة تقع على بعد 12 ميلاً إلى الجنوب من بيروت، وسكانها ليسوا شيعة، بإغلاق هذا الطريق المهم. وجاء آخرون من غير الشيعة، أيضاً، من بلدة برجا الجبلية، لإغلاق الطريق في بلدة الجية التي تبعد ستة أميال عن الناعمة. وفي الحقيقة، إن إغلاق الطريق ليس مجرد حركة احتجاجية واضحة، وإنما تنجم عنه إعاقة قدرة وحركة «حزب الله» على توزيع البضائع والأموال، التي يتلقاها من ميناء بيروت ومطارها، على اتباعه بالجنوب.

شعور بالقلق

لهذا شعر الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، بالقلق. وفي 18 مارس الجاري، ذكر نصر الله في خطابه: «أقول لأولئك الذين يغلقون الطريق، ويسببون الجوع للكثير من الناس، إنكم تزيدون في الفقر، وتضعون الدولة على حافة حرب أهلية. وأقول للأشخاص الطيبين الذين تمت إهانتهم في طرق معينة، أن يتحلوا بالصبر لأننا سنجد حلاً لهذه المشكلة».

وخلال خطابه، غرد الناشط جمال تيرو، من بلدة برجا، قائلاً: «نصر الله يتحدث في حديثه عن إغلاق الطريق، بينما هو يغلق الدولة برمتها ويمنعها من التنفس». ورد عليه حزب الله، عن طريق نشر صورته، وعنوانه ورقم هاتفه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني في أيامنا تحديد مكافأة لمن يقوم بقتل الناشط تيرو. لكن هذا الأخير عبر عن تحديه، مشيراً إلى أن الحزب لا يملك خياراً «سوى البقاء هادئاً أو يختنق، لأنه لن يأتي أحد لنجدته».

وتظهر تصرفات حزب الله مدى انفعاله وضعفه، وزيادة استعداد السكان المحليين، حتى بعد مقتل لقمان سليم، للوقوف في وجه الحزب. وفي الوقت ذاته، يبدو أن قوة الحزب تضاءلت، كما أن أعداداً كبيرة منه لاتزال في سورية، وأدى انخفاض قدرة الحزب على تقديم الرشى إلى انخفاض تأثيره في الجيش اللبناني.

وثمة اعتقاد في وزارة الخارجية الأميركية يفيد بأن الولايات المتحدة يجب أن تفرج عن الأموال لإيران، أو تمكن الحكومة الإيرانية من تلقي أموال مجمدة من أماكن أخرى لبدء العملية الدبلوماسية. والمفارقة أنه ليس فقط أن تقديم مثل هذه الأموال لطهران يقلل النفوذ الأميركي، رغم الأهمية الشديدة لهذا النفوذ، لكن لأن مثل هذه الأموال يمكن أن تزيد موارد حزب الله وقوته، في الوقت الذي تريد فيه الولايات المتحدة تجريده من هذه القوة. ومن الناحية العملية، إن الاستراتيجية الدبلوماسية للرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، إزاء طهران تعزز قوة حزب الله. وهو أمر غير منطقي ودليل على سياسة بعيدة عن الواقع وغير مجدية للوصول إلى الأهداف المرجوة منها.

ولقد حان الوقت، الآن، لبايدن وبلينكن لإعادة النظر في تداعيات سياستهما إزاء إيران، كي لا تؤدي إلى نتائج عكسية.

• تظهر تصرفات «حزب الله» مدى انفعاله وضعفه، وزيادة استعداد السكان المحليين، حتى بعد مقتل لقمان سليم، للوقوف في وجه الحزب.

مايكل روبن - كاتب أميركي متخصص في الشرق الأوسط

تويتر