نتيجة عدم معالجة جذور ظهور التنظيم

«داعش» لايزال يشكل تهديداً على الأماكن النائية في العراق

طفل يحمل الخبز لعائلته خلال قيام الجيش العراقي بتحرير الموصل من «داعش». غيتي

لطالما يشعر سكان بلدة أبو تيبان بالخوف الشديد من قدوم الليل، ويقول القائد المحلي للبلدة، دخيل إبراهمي رامايد، إن تنظيم «داعش» عاد إلى هذه المنطقة الصحراوية من إقليم الأنبار. وأضاف رامايد، الذي دخل السجن ثماني مرات في ظل سيطرة «داعش»، وهو يشير إلى مجموعة صغيرة من المنازل: «(داعش) يمكن أن تظهر من المجهول. ونحن نستخدم الكاميرات، ونضع الحراس حتى الصباح».

وبعد ثلاث سنوات من سيطرة «داعش» على أجزاء كبيرة من العراق، تمكن الجيش العراقي، بمساعدة الولايات المتحدة، من طرد هذا التنظيم بنهاية عام 2017، ولكن على الرغم من تدمير التنظيم، إلا أن مجموعات منه تشكل تهديداً على مناطق نائية في العراق، حيث لا توجد القوات الحكومية.

وعلى الرغم من ضعف وانقسام الجيش العراقي، إلا أنه عمل على محاربة «داعش» منذ دخوله إلى مدينة الموصل عام 2014. ويقول الخبير في مجال الأمن في معهد واشنطن للشرق الأدنى، مايكل نايتس، إنه على الرغم من جهود «داعش» للحفاظ على نفوذه، إلا أننا «شاهدنا أن القوات الخاصة العراقية كثفت من عملياتها ضد التنظيم، بما فيها العمليات الليلية، كما شهدنا تزايد ظهور قوات الأمن العراقية، حيث ينطوي ذلك على آثار إيجابية»

وكان كل فصيل من القوات المسلحة العراقية يحارب «داعش» حسب طريقته، فهناك قوات مكافحة الإرهاب، وقوات الحشد الشعبي، والجيش العراقي، والميليشيات العشائرية، ولكن لم يكن هناك تنسيق كبير بين هذه الفصائل، بل أحياناً كان هناك بعض التناقض.

وقال ريناد منصور، من دار تشاتهام للأبحاث البريطانية، إن «قوات مكافحة الإرهاب وقوات الحشد الشعبي لا تتحاوران مع بعضهما بعضاً، وليس هناك أي علاقة بينهما، لأن الأولى تعتبر من وكلاء أميركا، والثانية من وكلاء إيران. وهما تحاربان (داعش)، لكن دون تبادل المعلومات أو أي شيء آخر». ويشير منصور إلى أنه، على الرغم من مرور سنوات عدة على تحرير الموصل، إلا أن سكان المدينة لم يروا حكومتهم تدخل إلى المدينة.

تحول جديد

ولكنْ ثمة تحول جديد بعد تحرير الموصل، تمثل في رفض المدنيين دعم «داعش». وقال شيخ قطري شمرماند، وهو زعيم ميليشيات قبلية في الأنبار «في عام 2014 كان 90% من القبائل تدعم (داعش)، ولكن هذه النسبة أصبحت الآن 1%». وقال شمرماند، عندما تحول «داعش» من ميليشيات إلى سلطة في عام 2014: «اكتشف السكان أنها منظمة إجرامية، ولم يكن يهمها ما إذا كان المرء شيعياً أو سنياً، فكل ما يهمها هو القتل والتدمير»، ونتيجة وحشية هذا التنظيم، تقلصت قاعدة التجنيد للتنظيم، وبدأ كثيرون ينضمون إلى قوات الأمن والمخابرات العراقية. وقال مدير الإعلام في وزارة الدفاع العراقية، اللواء تحسين الخفجي: «يكمن سبب سقوط الموصل في أن القوات العراقية التي كانت موجودة هناك شعرت بأنها غير محبوبة من قبل السكان، ولذلك هربت، ولكن السكان أصبحوا يؤيدون الجيش العراقي الآن».

ومع ذلك، فقد عاد تنظيم «داعش» إلى أعمال القتل ضد العراقيين. وكانت آخر عمليات القتل استهداف التنظيم قادة أمثال ريمايد في بداية شهر مايو الجاري، حيث قام التنظيم بالهجوم على منزل هذا الزعيم المحلي في نينوى، وقتله مع أربعة من أقربائه. وعلى الرغم من أن «داعش» أكثر ضعفاً مما كان عليه قبل عقد من الزمن، إلا أنه يعمل على تكريس وجوده عن طريق القيام بالاغتيالات. وتقول قوات الأمن العراقية إنها تقوم بلعبة القط والفأر من خلال مطاردتها للتنظيم في الصحراء الفسيحة الواقعة في غرب العراق.

وتحسن أداء المخابرات العراقية منذ معالجتها لموضوع «داعش» عام 2010، بيد أن تركيزها يظل على الموضوع العسكري، ولكن ما يجري في العراق هو حرب مزدوجة، الأولى عسكرية والأخرى اجتماعية. ويفوز الجيش العراقي بالحرب العادية، ولكن طالما أن قرى مثل أبو تيبان تظل معزولة ومعرضة للخطر، فإن هذا يزيد من سخط المدنيين.

ويراوح تعداد أفراد «داعش» العاملين في العراق الآن ما بين 1000 و3000 عنصر أو أكثر، بعد أن كان هذا العدد يربو على 100 ألف. وتناقص تعداد الانفجارات التي سببها تنظيم «داعش»، نظراً إلى عودته إلى أسلوب الميليشيات. وقال المستشار في وزارة الدفاع العراقية اللواء محمد العسكري، «داعش ليس له قادة أو القدرة على احتلال مدينة، ولذلك فقد عاد إلى عملياته المحدودة والخلايا النائمة». ورأى أنه بالنظر إلى أن هجمات التنظيم قد تناقصت بصورة كبيرة، فإنها تركز الآن على الأهداف الاستراتيجية التي تظهر قوته من خلالها.

وينحدر شمرماند، وهو زعيم ميليشيات قبلية، من بلدة تدعى بغدادي في إقليم الأنبار، وشارك في الحرب ضد «داعش»، وخسر المئات من رجاله في الحرب. ويقوم شمرماند الآن بجمع رجاله كل أسبوعين معاً، ويرحلون إلى الصحراء لملاحقة آخر فلول رجال «داعش»، بالتعاون مع الجيش العراقي. وهم يستندون إلى معلومات تقدمها المخابرات المحلية للعثور على جيوب تحوي من خمسة إلى 15 شخصاً من أفراد «داعش» في المنطقة الأكثر انعزالاً. ويختبئ بعض هؤلاء داخل الكهوف، وبعضهم الآخر في الأنفاق، في حين أن آخرين يعيشون في منازل مستأجرة.

ويعمل شمرماند في الجيش العراقي، وقوات مكافحة الإرهاب، التي تعتمد عليه من أجل الحصول على المعلومات، والاتصالات المحلية. ولايزال العديد من الميليشيات المحلية يعمل بحثاً عن أفراد «داعش». وقال شمرماند إنه يتمتع بعلاقات جيدة مع العديد منها. ولكن منصور، من دار تشاتهام، يقول إن هذه المجموعات تعاني الانقسامات الداخلية، الأمر الذي يأتي على حساب أمن وسلامة المواطنين الضعفاء. وقال منصور «ما نراه الآن هو وجود العديد من المجموعات المسلحة، التي تتنافس مع بعضها في الوقت نفسه. وإذا كان هؤلاء الأشخاص، المنوط بهم الحفاظ على الأمن، يتنافسون في ما بينهم للسيطرة على المناطق من أجل الغنائم الاقتصادية للحرب، فإن المدنيين سيظلون منسيين وضحايا».

ويعترف شمرماند بأن ثمة مناطق لا تجرؤ قوات الأمن على الدخول إليها ليلاً، ويتعين على السكان المحليين التعاون مع «داعش» أو أنهم سيدفعون الثمن. ولا يرى القرويون أية قوات أمن تعمل من أجلهم، ولايزال العديد من هذه القرى يفتقر إلى الخدمات الأساسية. وقال منصور إنه في الوقت الذي تكون فيه ذكرى تنظيم «داعش» الأخيرة لاتزال ماثلة في أذهان السكان المحليين، فإن كل الأسباب السابقة تؤكد صعوبة هزيمة التنظيم بصورة تامة. وأضاف منصور «في الوقت الحاضر، فإن تنظيم (داعش) يعتبر نقطة حالكة السواد في تاريخ العراق، ولذلك فإن من الصعوبة بمكان أن يتقبله الناس».

والآن لاتزال مناطق مثل أبو تيبان مهجورة، كما أن أجزاء كبيرة من الموصل لاتزال مهملة دون خدمات أو موارد حكومية. وربما أنها مسألة وقت حتى تخسر الحكومة قاعدة الدعم التي تركز على هزيمة تنظيم «داعش». وقال منصور «أصبح التحدي الآن محاولة معالجة مجموعة مثل تنظيم (داعش) وكأنها مجرد مشكلة عسكرية، ولذلك فإن الحل العسكري يعالج هذه الظاهرة المسماة (داعش)، ولكنه لا يستطيع معالجة جذورها فعلاً، وسبب ظهور هؤلاء المجموعة من المتطرفين. وفي الحقيقة فإن التحدي الآن هو أنه ليس هناك من يعالج هذه الجذور».

• قوات مكافحة الإرهاب وقوات الحشد الشعبي لا تتحاوران مع بعضهما بعضاً، وليس هناك أي علاقة بينهما، لأن الأولى تعتبر من وكلاء أميركا، والثانية من وكلاء إيران. وهما تحاربان «داعش»، لكن دون تبادل المعلومات أو أي شيء آخر.

بيشا مجيد - صحافي مستقل مقيم في بغداد

تويتر