دول أوروبية بصدد إجراء مراجعة لمواقفها من طهران

شبكات التجسس تدفع العلاقات الأوروبية - الإيرانية إلى «خلاف مستحكم»

صورة

أعلن الاتحاد الأوروبي، في 9 يناير 2019، عن إدراج إدارة الأمن الداخلي، التابعة للاستخبارات الإيرانية، على قائمة الإرهاب الخاصة به، وذلك كرد فعل على تمدد شبكات التجسس الإيرانية في أوروبا، وإحباط العديد من دول الاتحاد هجمات على أراضيها، وهو ما يتوازى مع إشارة بعض هذه الدول إلى تحركات عناصر إيرانية بغطاء دبلوماسي وشخصيات غير إيرانية، تعمل لحساب الحرس الثوري، بهدف تنفيذ مخططات عدة لصالحه.

ويبدو أن العديد من دول الاتحاد، لاسيما التى حرصت على استمرار سريان الاتفاق النووي، عقب انسحاب الولايات المتحدة الأميركية منه في 8 مايو 2018، أصبحت بصدد إجراء مراجعة لمواقفها، بسبب تلك التحركات الإيرانية التي تمثل تهديداً أمنياً لها، وهو ما لا يمكن فصله عن حرص واشنطن على ممارسة ضغوط، من أجل اتخاذ موقف مماثل بالانسحاب من الاتفاق، وهي ضغوط تشارك فيها هيئات أمنية ومنظمات أهلية، في تلك الدول تطالب بوضع الاعتبارات الأمنية كأولوية على المصالح الاقتصادية المشتركة بين تلك الدول وإيران، بناءً على الاتفاق النووي.

أهداف خفيةيمكن القول إن ثمة أهدافاً عدة، تسعى إيران إلى تحقيقها عبر توسيع نطاق شبكات التجسس التابعة لها داخل دول الاتحاد الأوروبي، ترتبط بقضايا تحظى باهتمام خاص من جانبها، ويتمثل أبرزها في الاقتراب من مصالح خصومها، لاسيما الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، واستهداف عناصر المعارضة الإيرانية، خصوصاً من منظمة «مجاهدي خلق»، والمجموعات التابعة للقوميات التي تتعرض للإقصاء والتهميش داخل إيران، وهي الجهات التي كان لها دور في توجيه انتباه المجتمع الدولي إلى العواقب الوخيمة للسياسة الإيرانية، على المستويين الإقليمي والنووي، إلى جانب ممارسة أنشطة تتعلق بشراء بعض المكونات التي تتصل بالبرنامج الصاروخي، في إطار سعيها إلى تحسين قدراتها الصاروخية، فضلاً عن التجسس على انتشار بعض الجيوش الأوروبية في الخارج، لاسيما في أفغانستان، وهو ما كشف عنه قيام السلطات الألمانية، في 15 يناير الماضي، باعتقال ألماني من أصل أفغاني للاشتباه في نقله بيانات ومعلومات إلى إيران، حيث كان يعمل مستشاراً ثقافياً في الجيش الألماني.

ويبدو أن إيران تُعوِّل، في هذا السياق، على أن الخيارات المتاحة أمام الدول الأوروبية محدودة، للتعامل مع تلك التهديدات التي تفرضها أنشطتها، خصوصاً أن الأخيرة مازالت تسعى إلى تعزيز فرص استمرار العمل بالاتفاق النووي، ولا ترى بديلاً عنه حتى الآن، على عكس الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبرت أن الاتفاق دفع إيران إلى الإمعان في تبني سياسة فرضت تداعيات سلبية على الأزمات الإقليمية في المنطقة، بالتوازي مع محاولاتها الالتفاف عليه، من خلال مواصلة إجراء أنشطة خاصة بتطوير الصواريخ الباليستية.

ولا يمكن استبعاد أن تكون بعض الميليشيات الموالية لإيران على صلة بتلك المخططات، مثل «حزب الله»، الذي يحاول بدوره تعزيز نشاطه داخل الدول الأوروبية أيضاً، وهو ما كشفت عنه مؤشرات عدة في الفترة الماضية.

تعاون أمني

ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية كان لها دور في الكشف عن المخططات الإيرانية في أوروبا، بشكل يمكن أن يساعد في تقليص حدة الخلافات مع الدول الأوروبية حول آليات التعامل مع إيران، خصوصاً في ما يتعلق بأدوارها في المنطقة، وبرنامجيها الصاروخي والنووي.

ففي هذا السياق، أشارت تقارير عدة إلى أن التعاون بين واشنطن وبرلين لا يتوقف فقط على عمليات مكافحة التجسس الإيراني في ألمانيا وأوروبا، وإنما يمتد أيضاً إلى مراقبة دور إيران في الإرهاب الدولي. وقد انعكس ذلك في قضية شركة طيران «ماهان إير» الإيرانية، التي قررت ألمانيا، في 21 يناير 2019، إلغاء تصريح التشغيل الخاص بها لديها، وهو ما يعود، في قسم منه، إلى ما كشف عنه التنسيق الأميركي - الألماني، بشأن الدور الذي تقوم بها الطائرات التابعة للشركة في نقل الأسلحة والذخائر، وعناصر من الحرس الثوري، والميليشيات التي قامت إيران بتكوينها وتدريبها إلى سورية، للمشاركة في الصراع العسكري إلى جانب النظام السوري.

كما كانت واشنطن حريصة على دعم الإجراءات التي اتخذتها فرنسا، في 3 أكتوبر 2018، حيث فرضت عقوبات على إدارة الأمن الداخلي التابعة للاستخبارات الإيرانية، وشخصين إيرانيين، تتمثل في تجميد أصولهما داخل فرنسا، بعد أن اتهمتهما بمحاولة التخطيط لشن هجوم ضد تجمع نظمته المعارضة الإيرانية في يونيو من العام نفسه، وهي العملية التي كان للتنسيق الذي جرى بين السلطات في فرنسا وألمانيا وبلجيكا والنمسا دور في إحباطها.

مسارات محتملة

لكن رغم مجمل تلك الأنشطة السلبية التي مارستها إيران، وهددت من خلالها أمن ومصالح الدول الأوروبية، فإن الأخيرة مازالت تسعى إلى مواصلة العمل بالاتفاق النووي، وهو ما بدا جلياً في إعلان وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، في 23 يناير الماضي، عن أن آلية الأغراض الخاصة التي يمكن أن تسهم في استمرار التعاملات التجارية بين إيران أوروبا، واحتواء تداعيات العقوبات الأميركية، ستكون جاهزة في الأيام المقبلة، مع أن تقارير عدة كشفت عن أن تلك الآلية لن تعمل قبل أشهر عدة، في ظل الحاجة إلى الاتفاق على التفاصيل الخاصة بها بين الجانبين.

وتستند اتجاهات عدة إلى أن هذه الإجراءات يمكن أن تقلص التأثيرات السلبية للأنشطة الإيرانية في العلاقات التجارية مع الدول الأوروبية. إلا أن اتجاهات أخرى تعتبر أن إصرار إيران على تبني سياستها المتشددة سيضع استمرار العمل بالاتفاق النووي أمام عقبات صعبة، خلال المرحلة المقبلة، وهو احتمال يبدو قوياً في ظل المؤشرات التي تكشف عن أن طهران تتجه نحو اتخاذ خطوات تصعيدية جديدة، خلال المرحلة القادمة، على المستويات المختلفة.


- تقارير عدة أشارت إلى أن التعاون بين واشنطن وبرلين لا يتوقف فقط

على عمليات مكافحة التجسس الإيراني في ألمانيا وأوروبا، وإنما

يمتد أيضاً إلى مراقبة دور إيران في الإرهاب الدولي.

تويتر