بعد 17 عاماً من الصراع ومقتل الآلاف وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات

الحرب في أفغانستان.. طريق مسدود والمصالحة تُخرج الجميع من المءـأزق

صورة

يتذكّر جون دايلي أحداث 11 سبتمبر 2001 قائلاً «كنا في داروين في مهمة تدريب، وكانت تلك هي الليلة الأولى التي خرجنا فيها من المعسكر». وقد أنهى العريف التابع لفرقة الاستطلاع ضمن القوة البحرية الـ15 التدريبات الخاصة في أستراليا، ويستعد هو وزملاؤه للعودة إلى الولايات المتحدة على متن سفينتهم. وقال دايلي «كنا جميعاً جالسين في حانة في داروين نشاهد مباراة كرة القدم على شاشة التلفزيون»، متابعاً «فجأة انتقلوا إلى صور مركز التجارة العالمي والدخان يتصاعد منه، وعرفنا أنها لن تكون عملية عسكرية روتينية».

كان الجنود الأميركيون في عرض البحر صباح اليوم التالي، وبعد بضعة أسابيع ــ يقول دايلي ــ كانوا في باكستان لتأمين بعض المناطق، وبحلول نوفمبر كانوا في أفغانستان. وصادف يوم الثلاثاء الماضي مرور 17 عاماً على مشاهدة دايلي وزملائه انهيار البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي في نيويورك، الذي تلاه تدخّل عسكري أميركي في أفغانستان بعد فترة وجيزة.

سرعان ما تطور الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان في أكتوبر 2001 من مهمة للقبض على أسامة بن لادن وقيادته أو القضاء عليهم إلى معركة حاسمة أصبح فيها التركيز على محاربة حركة طالبان. وبعد 17 عاماً وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات في وقت لاحق، يبدو الصراع في طريق مسدود، على الأقل طالما بقيت الولايات المتحدة في أفغانستان، فإن الحكومة الأفغانية ستبقى في السلطة حتى مع استمرار «طالبان» في إظهار قدرتها على تنفيذ هجمات. إن مدة هذه الحرب، والحرب الأميركية في العراق، تعني الانتشار المتكرر للجنود الأميركيين، وهي الكلفة النفسية التي كان الجيش يحذر منها قبل عقد من الزمن. واحدة من أحدث الوفيات الأميركية في أفغانستان ــ هذا الشهر فقط ــ كانت ضمن الانتشار القتالي السابع. استمرار الصراع، الذي تخطى الآن جيلاً كاملاً تقريباً يعني أيضاً أن الأشخاص الذين لا يستطيعون حتى تذكّر الهجمات قد يشاركون في العمليات هناك. وفي هذا الصدد، قُتل جندي يبلغ من العمر 20 عاماً في أفغانستان هذا الصيف، ولم يكن عمره ثلاثة أعوام عندما تعرضت أميركا للهجوم في الـ11 من سبتمبر 2001. قريباً، الناس الذين لم يولدوا بعد، سيكونون في سن كافية للقتال. لكن الولايات المتحدة، التي أنعشت خلال العيد الماضي محادثات مباشرة بينها وبين «طالبان»، تأمل الآن أن تتمكن من إجبار «طالبان» على الدخول في حوار مع الحكومة الأفغانية، بينما المزيد من المؤشرات على أن المصالحة «لم تعد مجرد وميض هناك، ولم تعد مجرد سراب»، وفقاً لوزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، الأسبوع الماضي، قبل زيارة لأفغانستان.

انحراف المهمة

يؤكد الجنرال جون نيكلسون، الذي كان حتى وقت قريب يرأس الجهود العسكرية الأميركية في أفغانستان هذا الشهر أثناء تسليم القيادة «الآن لديها بعض الإطار. هناك بعض خطوط الاتصال المفتوحة»، متابعاً «لقد حان الوقت لإنهاء الحرب في أفغانستان»، كما حث «طالبان» على الدخول في محادثات سلام، «حتى تكون على استعداد لبدء الحوار سنواصل القتال».

وأشار مؤيدو المشاركة العسكرية الأميركية المستمرة في أفغانستان إلى أسباب مختلفة: أنها لاتزال في المصلحة الوطنية، وأنه من الأهمية بمكان منع عودة ظهور الإرهاب الدولي، وأنها تعطي الولايات المتحدة موطئ قدم «جيوسياسي» في المنطقة. وكل من هذه الحجج لها نظيراتها: البعثة قد انحرفت حتى الآن عن نيتها الأصلية وامتصت الكثير من الموارد بحيث تضر بالمصلحة الوطنية. وإذا كان منع الإرهاب من الحصول على موطئ قدم هو المبرر للبقاء فيجب على الولايات المتحدة أن تنشر عدداً متساوياً من القوات في ليبيا ومالي واليمن، وأن أفغانستان ذات أهمية حيوية لروسيا والصين وإيران وباكستان والهند التي تضع القوات الأميركية هناك في معارك المنافسات الإقليمية المعقدة.

لكن كارل إيكنبري، وهو ضابط متقاعد في الجيش الأميركي كان سفيراً في أفغانستان من عام 2009 إلى عام 2011 وقائد القوات الأميركية هناك قبل ذلك، قال إن هناك أيضاً حجة أخلاقية حول سبب بقاء الولايات المتحدة، «منذ 17 عاماً أخبرنا الشعب الأفغاني - النساء والأقليات والشباب ــ بأن أميركا ستبقى في ساحة المعركة حتى يكون هناك سلام دائم». وبسبب التكاليف المادية والجيوسياسية، يضيف إيكنبري «ليس من مصلحتنا الوطنية أن نبقى، ويمكننا أن نقول لأنفسنا بشكل معقول إننا قمنا بما يكفي. لكن عندما ننسحب، سنترك وراءنا وعوداً غير محققة ومأساة إنسانية سنكون مذنبين إزاءها».

ممارسة الضغط

لقد استعانت سياسة الولايات المتحدة الحالية في أفغانستان باستراتيجية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجنوب آسيا والتي تم الإعلان عنها في أغسطس الماضي. إنه يدعو إلى قصف «طالبان» بينما يدفع الجماعة المسلحة إلى إجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية، وفي الوقت نفسه ممارسة الضغط على باكستان، التي يعتقد أن لها بعض النفوذ على «طالبان». وتقول الولايات المتحدة إنها ستبقى في البلاد إلى أن تسيطر الحكومة الأفغانية على أراضيها بالكامل. قد يستغرق ذلك بعض الوقت: تسيطر حكومة كابول على نحو 65% من المناطق في البلاد، وفقاً للمفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، وهي هيئة رقابية عينها الكونغرس تشرف على الجهود الأميركية هناك. ولاتزال حركة طالبان تسيطر بقوة على المناطق الريفية ونحو 12% من مناطق البلاد (يتم التنافس على البقية). هذه السياسة، التي وافق عليها الرئيس الأميركي، على الرغم من تحفظاته الخاصة حول الاحتفاظ بالجنود في أفغانستان، هي الأحدث في العديد من الاستراتيجيات التي حاولت واشنطن تنفيذها في هذا البلد.

4 مراحل

يمكن تقسيم السياسة الأميركية في أفغانستان إلى أربع مراحل: المرحلة الأولى التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر، ركزت بشكل ضيق على هزيمة «القاعدة» و«طالبان»، التي رفضت تسليم بن لادن إلى الولايات المتحدة في ذلك الوقت. واعتقدت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أن «طالبان» كانت قوة مستنفدة، وأن الجهود لإعادة بناء أفغانستان ستكون طويلة ومكلفة، لكنها ستكون ناجحة في نهاية المطاف. وقد برهن ذلك على افتراض خاطئ: لقد وجدت الحكومة الأفغانية أن إدارة البلاد صعبة، فالفساد وعدم المساءلة كانا متفشيين. ولم يساعد دعم الولايات المتحدة لأمراء الحرب ذوي السمعة المشبوهة على حل المشكلات، كما كانت هناك صعوبة في بناء قوات الأمن الأفغانية. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن «طالبان» أثبتت قدرتها على الصمود أكثر مما كان يتوقعه أي شخص، مع إعطاء باكستان مقاتليها ملاذاً ومساعدة.

تدخل الجيش الأميركي في مهمة محددة جيداً لتدمير «القاعدة» وإسقاط حكومة «طالبان». افترض معظمهم أن المهام اللاحقة لبناء الدولة والتنمية الاقتصادية في أفغانستان ستكون طويلة لكنها ليست باهظة للغاية. وبحلول 2005 أعيد تشكيل حركة طالبان داخل باكستان، وكانوا يشنون حملة تمرد قاتلة ضد حكومة أفغانية ضعيفة غير قادرة على فرض سيطرتها على أراضيها. لقد أثبتت الافتراضات الأولية وجود عيوب فادحة.

مكافحة التمرد

بحلول 2007 تحركت الولايات المتحدة نحو استراتيجية مكافحة التمرد، مقترنة بجهد قوي نحو بناء الدولة، لكن في ذلك الوقت كانت الحرب في العراق مستعرة. وفي هذا السياق يقول إيكنبري «ناقشنا طرق معالجة المشكلات المتصاعدة [في أفغانستان]، لكننا لم نكن نملك وسائل كافية»، في حين قال رئيس هيئة الأركان المشتركة، الأدميرال مايك مولن، في عام 2007 «خصصت الموارد للعراق كمسألة ذات أولوية. لقد أصبحت أفغانستان، في اللغة العسكرية، عملية (توفير للقوة)»، موضحاً أنه «في أفغانستان نفعل ما بوسعنا، وفي العراق نقوم بما يجب علينا القيام به».

كان هناك تحول آخر في السياسة الأميركية بعد انتخاب الرئيس السابق باراك أوباما في عام 2008، وكان أوباما قد شن حملة لصالح الخروج من العراق وإنهاء المهمة في أفغانستان. كان الرئيس متشككاً في الخيارات التي قدمتها وزارة الدفاع الأميركية، والتي تضمنت المزيد من القوات والانسحاب القائم على شروط. لقد أرسل الرئيس السابق المزيد من القوات إلى البلاد، لكنه حدد مهلة زمنية لبقاء نحو 100 ألف جندي، بأن يعود معظمهم في عام 2011. وفي مايو من عام 2011، بعد أن قتل فريق من البحرية الأميركية أسامة بن لادن، تمكن أوباما من سحب القوات التي أرسلها إلى أفغانستان، وترك 5000 جندي في البلاد لمساعدة قوات الأمن الأفغانية؛ لكن رغبة أوباما في إعلان نهاية الحرب في أفغانستان قوبلت بواقع ليس فقط مرونة «طالبان»، بل أيضاً ظهور تنظيم «داعش» في أفغانستان.

تولى ترامب منصبه في يناير 2017، وأعلن استراتيجيته في جنوب آسيا في أغسطس من ذلك العام، وزاد عدد القوات الأميركية في أفغانستان إلى نحو 14 ألفاً. ومنذ ذلك الحين، واصلت أميركا ضرباتها الجوية ضد «طالبان»، حتى عندما استمر المسلحون في الاستيلاء على الأراضي وشنوا هجمات مأساوية ومميتة، لكن هذه الفترة شهدت أيضاً هدنة تاريخية دامت ثلاثة أيام بين الحكومة الأفغانية و«طالبان»، فضلاً عن محادثات مباشرة بين مسؤول أميركي رفيع المستوى وحركة طالبان.

طريق العودة

يبدو أن المسؤولين الأميركيين متفائلون بشأن الوضع الحالي - حتى بعد مرور 17 عاماً على هجمات 11 سبتمبر - أفغانستان ليست أقرب إلى عملية المصالحة، ناهيك بالانسحاب الكامل للقوات الأميركية. ثم مرة أخرى، بدا المسؤولون الأميركيون متفائلين بشأن هذه النتيجة من قبل. في عام 2011 قال قائد حلف شمال الأطلسي ديفيد بترايوس، إن الحرب قد تحسنت. وذهب أوباما إلى أبعد من ذلك قائلاً «لقد انحسرت موجة الحرب». ولم يكن أي منهما مخطئاً، فقد وجد الصراع طريقة للعودة.

ورداً على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستحافظ على وجود دائم في أفغانستان، قال وزير الدفاع جيمس ماتيس «نحن هناك لضمان أن أمن أميركا لا يتلقى تهديداً من هذا المكان»، متابعاً «ينطوي ذلك على السيطرة على مستقبل الشعب الأفغاني، لهذا تحدثنا عن عملية مصالحة يقودها الأفغان. ونعتقد أن أفضل طريقة للوصول إلى هناك هي ضمان إدراك طالبان أنهم لا يستطيعون النصر في ساحة المعركة، بل يجب عليهم التفاوض»، ثم أضاف «الآن، هل سيظل لدينا قوات في أفغانستان بعد خمس سنوات من الآن؟ لا أستطيع أن أجيب على ذلك».

ما لم يغير الرئيس رأيه من المرجح أن تستمر المشاركة العسكرية الأميركية في البلاد على الأقل خلال السنوات القليلة المقبلة. إن أي مفاوضات بين «طالبان» والحكومة الأفغانية ستستغرق سنوات وقد تخرج بسهولة عن مسارها بسبب الهجمات في أفغانستان أو التدخل عبر الحدود في باكستان. الحرب الأفغانية هي بالفعل أطول مشاركة عسكرية أميركية في التاريخ، وقد جاءت على حساب أرواح أكثر من 2000 عسكري أميركي، ناهيك بعدد القتلى المدنيين في أفغانستان من القتال والضربات الجوية، أكثر من 10 آلاف شخص قتلوا في عام 2017 وحده. ومن نواحٍ عدة قد تكون مدة الاشتباك بسبب مكان أفغانستان ــ في الخيال الأميركي - المكان الذي خطط فيه الإرهابيون وقاموا بـ«هجوم دراماتيكي على الوطن»، وهو الهجوم الذي يمكن أن يعيد تشكيل رؤية الولايات المتحدة حول العالم. لكن بعض الأميركيين في الخارج في ذلك الوقت لديهم وجهة نظر مختلفة لأحداث 11 سبتمبر.

وكما أخبرني العريف جون دايلي «أعتقد أنني أقل تأثراً من أولئك الذين كانوا هنا. وأعتقد أن الأمة بأكملها تعاني (المأساة) بشكل جماعي. كان لدي وجهة نظر مختلفة عن الجميع.. لقد كنا بعيدين جداً في أستراليا.. أتذكر ذلك بطريقة مختلفة».

كريشناديف كلامور  كاتب ومحلل في مجلة «ذي أتلانتك»


الحرب الأفغانية هي أطول مشاركة عسكرية أميركية في التاريخ، وقد جاءت على حساب أرواح أكثر من 2000 عسكري أميركي، ناهيك عن عدد القتلى المدنيين في أفغانستان من القتال والضربات الجوية.

رغبة أوباما في إعلان نهاية الحرب في أفغانستان قوبلت بواقع ليس فقط مرونة «طالبان»، بل أيضاً ظهور تنظيم «داعش» في أفغانستان.

 

تويتر