كل المؤشرات تدل على أن التنظيم ينمو بسرعة

«داعش» ينبعث من جديد في ليبيا.. وينبئ بعودة الإرهاب

صورة

كان يوم الأربعاء يمضي عادياً في العاصمة الليبية طرابلس، عندما اندلعت أصوات طلقات الرصاص. وأصيب الموظفون العاملون في قيادة لجنة الانتخابات في منطقة أندلس الراقية بالهلع، وزاد من رعبهم أن أصوات الرصاص أصبحت أقوى وأكثر قرباً منهم. وعندما بدأت أصوات الانفجارات تهز المباني الموجودة في المنطقة، وعندما استمرت أصوات القصف، بات الامر أكثر رعباً لأن الجميع أدركوا أنهم يتعرضون لهجوم من تنظيم «داعش»، أو مجموعة أخرى لا تقل وحشية. وقالت إحدى الموظفات العاملات في منظمة تابعة للجنة الانتخابات: «كنا داخل المباني الإدارية، ومن ثم انتقلنا إلى أحد المكاتب وبقينا في الداخل. لقد كان الأمر مرعباً»، وكانت الموظفة التي لم تعرف عن هويتها تتحدث مع «ديلي بيست» بالهاتف، بعد الهجوم الذي وقع في 2 مايو.

لاتزال الحياة في ليبيا تتسم بالفوضى، حيث

يضيف «داعش» مزيداً من المصاعب إلى مأساة

السكان العاديين، الذين يتحدثون عن نقص المواد

الغذائية والأدوية طوال انقطاع التيار الكهربائي.

وكان الهجوم منظماً واستمر نحو 15 دقيقة، استناداً لمسؤولي الامن، وقام اثنان من المسلحين بتفجير نفسيهما وقتلا، وكان الهجوم موجهاً بصورة مباشرة إلى المنشأة التي تضم أجهزة الكمبيوتر، التي تخزن أسماء وعناوين الناخبين الليبيين، بهدف تخريب الانتخابات المقررة في وقت ما من العام الجاري، أملاً في إعادة الاستقرار واللحمة لهذه الدولة الممزقة. وقالت الموظفة: «إنهم كانوا يعرفون تماماً طريقهم، حيث فجروا المبنى الذي يضم قاعدة البيانات».

وقتل 16 شخصاً على الأقل وجرح 20 آخرون، في الهجوم الذي وقع على اللجنة العليا للانتخابات الليبية. وكان أول هجوم كبير في طرابلس يعلن مسؤوليته عنه ما يعرف بتنظيم «داعش» منذ سبتمبر2015، وبعد أقل من أسبوع أعلن التنظيم الإرهابي مسؤوليته في الثامن من مايو عن تفجير سيارة في شرق سرت، ونجم عنه مقتل اثنين من رجال الأمن وجرح ثلاثة آخرين. وأعلن التنظيم أيضاً قبل أيام مسؤوليته عن هجومين في شرق الدولة استهدفا نقاط تفتيش بالقرب من اجدابيا، والاوجيلا، وأسفرا عن مقتل جنديين على الأقل.

وتدل كل هذه المؤشرات على أن «داعش» ينمو بسرعة في ليبيا، التي يرى فيها قاعدة محتملة لعملياته الإقليمية. وقال جيف بورتر المتخصص في شمال افريقيا في مركز مكافحة الإرهاب في الاكاديمية العسكرية الاميركية معلقاً: «نرى إعادة بناء للتنظيم في ظروف جديدة». وأضاف: «لقد تمكنوا من ترميم قدراتهم وينوون استخدامها».

ولفترة بدا تنظيم «داعش» كأنه في تراجع، لكن المسلحين تمكنوا من تثبيت أنفسهم في ظل الفوضى التي عمت ليبيا، إثر دعم حلف الناتو الإطاحة بنظام الراحل معمر القذافي في عام 2011 على أيدي المعارضة المحلية، ونتيجة الفوضى الناجمة عن سقوط النظام قتل السفير الأميركي وثلاثة دبلوماسيين آخرين في أعمال عنف وقعت عام 2012 وتركزت في المنطقة الدبلوماسية من مدينة بنغازي. وبعد استغلاله القتال الدائر بين المجموعات التي حاربت القذافي في التنافس على الحكم، تمكن تنظيم «داعش» من السيطرة على جيوب مهمة في الدولة الغنية بالنفط بما فيها مدينة سرت، المدينة الساحلية الرئيسة التي كانت مسقط رأس القذافي.

وفي ديسمبر 2016 تمكنت الميليشيات المحلية وبدعم من القوات الجوية الأميركية من دحر «داعش» من مدينة سرت، وشجعت الآمال بأن المجموعات الإرهابية في ليبيا يمكن ان تنتهي. وفي عام 2017 تمكن «داعش» من تنفيذ أربع عمليات فقط. ولكن في أقل من خمسة أشهر في عام 2018 تمكن التنظيم من القيام بعشر هجمات على الأقل. وعلى الرغم من أنه تم الاستخفاف بتقييم أهميته، اذ إنه لم يتمكن من السيطرة على أي مدينة ساحلية، فإن «داعش» لايزال قوة لا يستهان بها.

ويبلغ تعداد مقاتلي «داعش» في ليبيا ما بين 600 إلى 800 عنصر، وهو يتزايد بسرعة، كما أنه يقوم بتجنيد المقاتلين من منطقة الساحل في إفريقيا، إضافة إلى أنه يجذب المقاتلين الى الصراعات في سورية والعراق، كما قال المسؤول الأمني النمساوي السابق الذي يقدم النصح للشركات العاملة في ليبيا. وفي الوقت الحالي أصبحت ليبياً معرضاً لجذب المتطرفين الذين يبحثون عن القتال.

واستضاف الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون مؤتمراً في باريس لمحاولة دفع الفرقاء المتقاتلين في ليبيا إلى المصالحة والاستقرار، وتحاول الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة ومقرها في طرابلس، إقناع المتقاتلين بالجلوس على طاولة المفاوضات للتوصل الى تسوية، وبصعوبة تساعد كمية النفط التي يتم تصديرها إلى الخارج، الحكومة على سد التزاماتها. وبالطبع فإن الوضع الكارثي في ليبيا يمنح «داعش» متسعاً من المناورة والتحرك لتنفيذ أهدافه.

فوضى

ولاتزال الحياة في ليبيا تتسم بالفوضى حيث يضيف «داعش» مزيداً من المصاعب إلى مأساة السكان العاديين، الذين يتحدثون عن نقص المواد الغذائية والأدوية طوال انقطاع التيار الكهربائي. وعلى الرغم من أن الدينار كان يساوي 1.2 دولار قبل عام 2011 فإن قيمته انهارت وأصبح الدولار يعادل 7 دنانير ليبية في السوق السوداء. وقال المستثمر الليبي عادل الدجاني الذي مقره بين تونس ولندن، قبل بضعة أسابيع: «إنها حياة من أجل البقاء، إذ لا يتسطيع أحد التفكير على المدى المتوسط وإنما كل يوم بيومه، فالسكان يأملون الحصول على الراتب في وقته، وجاء رمضان والصيف وليس هناك ما يكفي من المال، والأسعار مخيفة والتضخم بشع».

ويقوم أمراء الحرب الانتهازيون بمحاربة «داعش» كوسيلة للحفاظ على سلطتهم، وربما يكون لديهم الحافز لإبقاء خطر هذا التنظيم المتطرف لاستغلاله حسب رغبتهم.

وإضافة إلى الكارثة التي تعيشها الدولة يقول المحللون إن الولايات المتحدة والمسؤولين الغربيين تخلوا عن ليبيا، ما يمنح «داعش» مساحة أكبر في ليبيا، وكذلك المجموعات المتطرفة الأخرى في شمال افريقيا. ولا تحظى مهمة الأمم المتحدة بالكثير من الدعم الدولي. وتعمل فرنسا وإيطاليا على إيجاد حل ما في ليبيا للتوصل الى تفاهم بين أمراء الحرب يهدف إلى إبعاد المهاجرين والميليشيات المتطرفة عن حدودهما، ولم تعين الولايات المتحدة سفيراً ولا مبعوثاً خاصاً في ليبيا. وقال بورتر «الولايات المتحدة ترى ليبيا عبارة عن مشكلة عسكرية بحتة، وتتجاهل البعد السياسي فيها».

وقالت المرأة التي تعمل في لجنة الانتخابات لصحيفة «ديلي بيست» إن الهجوم الذي تم على المكتب الذي تعمل فيه سيزيد من تصميمهم على الاستمرار. وأضافت «هؤلاء الناس فقدوا زملاءهم وبعضهم كانوا يعملون معاً منذ عام 2012، وجميعهم يريدون المضي قدماً. وأعتقد أن الانتخابات ستمضي إلى الأمام، ولا أعتقد أن مثل هذه الهجمات ستوقفها».

بورزو درغاهي مراسل الصحيفة في إسطنبول

تويتر