مشكلة الرئيس الأميركي مع «القارة العجوز» مزاجية وأسلوبية وفكرية

دبلوماسية ترامب «أميركا أولاً» تهدد العلاقة الأميركية الأطلســية

ترامب على خلاف مع المعايير الأساسية للحكم السياسي التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي. رويترز

تسببت دبلوماسية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي يطلق عليها «أميركا أولاً»، في خلخلة أسس وتحالفات عالمية عدة، إلا أن تأثيراتها الأكثر ضرراً حتى الآن هي ما تركته هذه الدبلوماسية من تأثيرات في علاقة أميركا بدول الأطلسي. لقد شكل الاتحاد الأوروبي الأميركي من قبل نواة التحالف الذي فاز بالحرب الباردة، لكنه أصبح الآن أقرب إلى الانهيار من أي وقت مضى منذ أربعينات القرن الـ20.

«هناك عاصفة هوجاء في المحيط الأطلسي،

فمن ناحية الشخصية والأسلوب، يمثل ترامب

كل شيء تقريباً تكرهه أوروبا بشأن الحياة الأميركية،

ويبدو الأمر أكثر كآبة عندما يتعلق

بالمسائل الجوهرية».


«يعتقد ترامب أن إسرائيل حليف أفضل وأذكى

من ألمانيا، فهو يستمع إلى رئيس وزرائها، بنيامين

نتنياهو، أكثر مما يستمع إلى ميركل، لأنه يعتقد

أن نهج إسرائيل العدواني دفاعاً عن مصالحها

الوطنية يعكس فهماً أفضل للعالم».

وتتكون مشكلة ترامب مع أوروبا من ثلاثة جوانب: أولاً، من الناحية المزاجية، فإن تهوره يجعله على خلاف مع المعايير الأساسية للحكم السياسي التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي. ثانياً، من الناحية الأسلوبية، فإن أسلوبه المسرحي في السياسة يعكس للأوروبيين أنه خطر وغير جدي.

ثالثاً، من ناحية التعارض الفكري العميق بين وجهة نظر ترامب والعالم ككل، والمفهوم الأوروبي عن العالم بعد الحرب بشأن الحنكة السياسية، فهو الذي يحول هذا الاحتكاك إلى صراع يهدد التحالف الغربي.

ويعتقد بعض منتقدي ترامب، أن من العبث التحدث عن أيديولوجية «ترمباوية». ويرون أن السياسة الخارجية لترامب إنما هي حزمة من الدوافع النرجسية، والطمع في المعاملات، واستجابة انعكاسية. لقد كتب رئيس الوزراء البريطاني الراحل، وينستون تشرشل، أعمالاً رائعة في التاريخ قبل أن يصبح رئيساً للوزراء. وعلى حد سواء، سجل كل من الرئيسين الأميركيين الراحلين، هاري ترومان، ورونالد ريغان، على الرغم من وزنهما الخفيف نسبياً في ذلك الوقت، سجلا الكثير من التأملات المدروسة بعناية حول أفكار عظيمة. أما مؤلف كتاب «فن الصفقة» - وهو ترامب - فلا يبدو أنه ضمن هذا الفريق. فليس له أي مشروع رئيس، كما يرى نقاد عدة، ولا حتى فلسفة سياسية يستطيع فرضها على العالم.

ومع ذلك، يمكن للمرء أن يتحدث عن الأفكار الأساسية للمشروع الأوروبي الذي يرفضه ترامب بشكل قاطع. أما ترامب بالمقارنة فلا يعتقد أن المستقبل بالنسبة للدول سيكون تكافلياً واتحادياً يتجاوز القومية، من أجل تجارة مربحة للجانبين. ولا يعتقد أن القوة العسكرية ستصبح أقل أهمية مع تقدم العصر، كما أنه لا يعتقد أن القانون الدولي والمؤسسات الدولية يمكنها أن تهيمن، أو يجب أن تهيمن على الحياة الدولية، لكنه بدلاً عن ذلك يعتقد أن الدول القومية الفردية ستظل القوة الجيوسياسية المسيطرة.

لكل ذلك يرى ترامب أن المؤسسة السياسية للاتحاد الأوروبي هي آلة عمياء ومضللة، ويعتقد أن أوروبا تجعل نفسها أضعف بشكل مطرد، وأقل أهمية في الحياة الدولية، وأن وجهة نظر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بشأن العالم، أكثر وضوحاً وعقلانية من مفهوم نظيرته الألمانية، أنغيلا ميركل.

ألمانيا استفادت

عندما ينظر ترامب إلى ألمانيا اليوم، قد لا يرى فيها الحليف القوي، لكنه على خلاف ذلك يعتقد أن ألمانيا استفادت كثيراً من استثمارات أميركا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وبشكل عام من أوروبا، لكنها تتبنى سياسات تجارية أنانية، وتحصل على أمن مجاني. ويعتقد ترامب أن روسيا لا تشكل تهديداً للولايات المتحدة، فهو لا يشعر بضرورة وأد الخلافات بين الولايات المتحدة وألمانيا من أجل مناهضة روسيا.

ويعتقد ترامب أن إسرائيل حليف أفضل وأذكى من ألمانيا، فهو يستمع إلى رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، أكثر مما يستمع إلى ميركل، لأنه يعتقد أن نهج إسرائيل العدواني دفاعاً عن مصالحها الوطنية يعكس فهماً أفضل للعالم، ولأنه يعتقد أن التعاون مع «بيبي» يجلب المزيد من المنفعة السياسية في الداخل، والمزيد من المساعدة الفعالية في الخارج، أكثر من أي شيء يرغب الألمان في توفيره لأميركا.

والأسوأ من ذلك، يعتقد ترامب أن العلاقات الدولية مدفوعة بالحاجة والمصلحة الذاتية، وبمقاييس ترامب هذه، تحتاج أوروبا إلى الولايات المتحدة أكثر بكثير مما تحتاجه الولايات المتحدة من أوروبا. ويريد بوتين كسر وحدة الاتحاد الأوروبي، لكي يتمكن من إعادة تأكيد النفوذ الروسي عبر القارة. وتسعى الخطط الصناعية للصين، من بين أمور أخرى، إلى الإطاحة بالتفوق الألماني في تصنيع السيارات والأدوات الميكانيكية، في الوقت الذي تفتقر فيه أوروبا للقوة العسكرية، والقيادة الموحدة، للتغلب على التحديات الهائلة للأمن والهجرة من شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ولا تستطيع هذه الواجهة الممزقة للوحدة الأوروبية، أن تساعد على معالجة الانقسامات العميقة بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.

عاصفة هوجاء

هناك عاصفة هوجاء في المحيط الأطلسي، فمن ناحية الشخصية والأسلوب، يمثل ترامب كل شيء تقريباً تكرهه أوروبا بشأن الحياة الأميركية، ويبدو الأمر أكثر كآبة عندما يتعلق بالمسائل الجوهرية. إن مزيج أسلوب ترامب في ما يتعلق بسياسة التجارة الصفرية، وواقعية السياسة الخارجية المتشددة، والتشكيك في مستقبل أوروبا، يجعله ينظر إلى أوروبا كشريك ضعيف، أو بالأحرى شريك لا يمكن الاعتماد عليه. ولا عجب إذاً في أن لقاء ترامب ونظرائه الأوروبيين ترك توتراً أكبر في العلاقة بين الطرفين.

إن عودة ترامب للتفاوض بشأن عناصر العلاقة التجارية والأمنية الأميركية مع أوروبا في حد ذاتها، ليس بالأمر السيئ أو المدمر. وليس من قبيل المأساة أن يفشل زعماء مجموعة السبع في قمتهم في الاتفاق على بيان ختامي، ولكن بالنظر إلى الطبيعة السامة للعلاقات الأميركية الأوروبية في الوقت الحالي، فإن على البيت الأبيض أن يفكر في فوائد خفض التوتر الذي أصاب هذه العلاقة. ورغم كل عيوبه، لايزال تجمع الأطلسي يشكل رصيداً حيوياً للنفوذ الأميركي في العالم.

وولتر رسل ميد: أستاذ السياسة الخارجية والإنسانيات بمؤسسة جيمس كلارك

تويتر