لا يُعرف إلى أين وصل الحوار بين الطرفين في الوقت الحالي

إسرائيل و«حماس» تتفاوضان بالصواريخ والقذائف

صورة

استيقظت القرى القريبة من الحدود مع قطاع عزة، يوم الثلاثاء الماضي، مبكرة على صوت معهود بالنسبة لها، إنها صافرات الإنذار التي تنذر بإطلاق صواريخ من غزة نحو إسرائيل، قامت بإطلاقها الفصائل الفلسطينية الموجودة في غزة، والتي أدت إلى تصعيد كبير لم تشهد المنطقة مثله منذ حرب عام 2014.

• «حماس» كانت ولاتزال تتبع المسار الاستراتيجي ذاته طالما أن شريان حياة لايزال موجوداً متمثلاً في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل من أجل هدنة طويلة الأمد.

• بعد حالات القتل التي تعرض لها الفلسطينيون خلال أيام مسيرة العودة الكبرى، بات من غير الممكن أن تفسر «حماس» للغزيين ما المكتسبات التي تم تحقيقها إزاء كل هذا القتل والجرحى.

ومقارنة بمسيرة العودة الكبرى، التي وصلت إلى ذروتها منذ أكثر من شهر، فقد كانت حادثة الثلاثاء تبادلاً لإطلاق النار عبر اتجاهين. وكما هي الحال في حالات مماثلة، طلبت الحكومة من المدنيين البقاء في الملاجئ، حيث تم إطلاق نحو 100 قذيفة وصاروخ.

وعلى الرغم من أن القبة الحديدية كانت مشغولة في البحث عن هذه القذائف، إلا أن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، اعترف لصحيفة ديلي بيست قائلاً «لم يكن من الواضح للجميع أن هذه القبة يمكن أن تتعامل مع هذه القذائف».

أما من الناحية الأخرى، فقد انطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية لضرب المواقع التابعة لمنظمتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وتم ضرب نحو 60 موقعاً داخل غزة، بما فيها نفق يربط غزة بمصر.

وعلى الرغم من القذائف التي انطلقت من غزة نحو إسرائيل، إلا أن بضعة إسرائيليين أصيبوا بجروح نتيجة الشظايا الناجمة عنها، ولم يقتل أي فلسطيني، حسبما اعترف الطرفان، وهذا يعني أن القبة الحديدية تعمل بصورة جيدة.

ومنذ حرب الـ50 يوماً قبل أربع سنوات، فإن المحور الذي يحكم العلاقات بين غزة وإسرائيل، والذي تكرر باستمرار، وكان جلياً يوم الثلاثاء، هو أن الطرفين لا يريدان الحرب. ومع ذلك، فإن الطرفين اشتبكا يوم الثلاثاء الماضي، وتوقفا إثر الوساطة المصرية من وراء الكواليس، حسبما ذكرته التقارير الصحافية، ولكن التوتر لم يتوقف حتى في اليوم التالي، حيث قال الجيش الإسرائيلي إنه وجه ضربات قوية إلى «حماس»، أما «حماس» فقد أصدرت بياناً مشتركاً، أعلنت فيه استعدادها لوقف أي عدوان أو تصرف غبي يرتكبه العدو. وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء «عربدة الإسرائيليين وجرائمهم».

تهديد متوقع

وهذا النوع من التهديدات متوقع بين الطرفين، ولكن السياسة التي كانت تقف خلف تبادل النيران يوم الثلاثاء الماضي، هي التي ستحدد كيف ستتحرك الأمور بعد ذلك.

وكانت أسباب اشتباكات يوم الثلاثاء الماضي قد وقعت بداية الأسبوع الماضي، عندما أطلق تنظيم الجهاد الإسلامي النار نحو دورية للجيش الإسرائيلي قرب الحدود، وردت إسرائيل بنيران الدبابات، ما أدى إلى مقتل ثلاثة من مقاتلي «الجهاد».

وهذا بحد ذاته عادي بالنسبة لغزة، إذ لم يحدث تصعيد عندما قتلت إسرائيل 10 من مقاتلي «الجهاد» قبل بضعة أشهر، وكذلك عندما قتلت نحو 100 فلسطيني خلال مسيرة العودة الكبرى. ولكن هذه المرة، فإن السبب الحقيقي مختلف. ومنذ انتهاء مسيرة العودة الكبرى، بدأت هجمات تقليدية على الناحية الإسرائيلية، وقال كونريكوس «الهجمات التي وقعت يوم الثلاثاء كانت متوقعة»، لكن المفاجئ هنا سكوت «حماس» عليها.

ويرى جميع من هم في الناحية الإسرائيلية من الحدود، بمن فيهم الجيش والصحافيون والمدنيون، أن القذائف التي جاءت من غزة كانت ذات تأثير بسيط. وكانت «حماس» قد منعت قواتها والتنظيمات الأخرى من توجيه ضربات إلى إسرائيل خلال سنوات طويلة، وهذا يعني أن سلطة «حماس» في غزة شاملة، ولكن بعد حالات القتل التي تعرض لها الفلسطينيون خلال أيام مسيرة العودة الكبرى، بات من غير الممكن أن تفسر «حماس» للغزيين ما المكتسبات التي تم تحقيقها إزاء كل هذا القتل والجرحى.

صحيح أن المسيرة أدت إلى لفت الانتباه إلى غزة، وتعاطف تركيا، وفتح مصر الحدود مع غزة طوال شهر رمضان، ولكن الصحيح أيضاً إن إسرائيل تمكنت بسرعة من إصلاح الضرر الناجم عن إغلاق معابرها مع غزة، حيث سمحت بإدخال الغاز والمساعدات الإنسانية والبضائع الأخرى، حتى إنها سمحت بنقل العشرات من الجرحى إلى الأردن.

ولكن بصورة إجمالية فإن كل ذلك يعتبر أقل بكثير مما كان متوقعاً، وهو «فك الحصار» الذي طالبت به «حماس» وسكان غزة. واعترف أحد كبار المسؤولين من «حماس» بأن مقتل 50 شخصاً من الذين قتلوا خلال مسيرة العودة الكبرى من كوادر «حماس» لم يكن بدافع التفاخر، وإنما ذلك ناجم عن الضغوط التي يعيشها القطاع. وكان يرد على سؤال، خلال مقابلة تلفزيونية، مفاده: لماذا تسمح «حماس» للمدنيين بالخروج في التظاهرة وهي تدرك أنهم سيقتلون أو يجرحون؟

واستناداً إلى مراسل الشؤون الفلسطينية في القناة الإسرائيلية الثانية، اوهاد هيمو، فقد حدثت تظاهرة من قبل عائلات الجرحى، الأسبوع الماضي، أمام المستشفى الرئيس في غزة، وقامت قوات الأمن الداخلي التابعة لـ«حماس» بتفريقها.

وكانت «حماس» ولاتزال تتبع المسار الاستراتيجي ذاته، طالما أن ثمة شريان حياة لايزال موجوداً، والمتمثل في المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل عن طريق الوساطة من أجل هدنة طويلة الأمد. وتعتقد «حماس» أن هذه الوسيلة ستخفف الضغوط الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية عن غزة، والتي وصلت الآن، كما يقول الجيش الإسرائيلي لحكومته مراراً وتكراراً، إلى نقطة الانفجار.

وحسب التقارير الصحافية، فإن إسرائيل تطلب من «حماس» والتنظيمات الأخرى ليس فقط وقف حالة الحرب، وإنما تطالب بوقف دائم لضرب الصواريخ والهجمات عبر الأنفاق، إضافة إلى إعادة اثنين من المدنيين الإسرائيليين، ورفات اثنين آخرين من جنود الإسرائيليين محتجزين لدى الحركة.

ومن غير الواضح الوضع الذي وصلت إليه المفاوضات في الوقت الحالي، لكن ثمة دلالة على أنه وسط وابل القذائف على المدنيين يوم الثلاثاء، وعلى الرغم من الدعوات التي أطلقتها حكومته من أجل احتلال شامل لغزة، أظهر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حالة من ضبط النفس. ولم يرد الجيش الإسرائيلي بسرعة على الضربات، ناهيك عن أنه لم يبادر إلى القصف بالمدافع. وإضافة إلى ذلك، فقد اجتمع نتنياهو مع مسؤوليه الأمنيين ووزير الدفاع، في مساء اليوم نفسه، وليس مع حكومته الأمنية كلها. وتعهد نتنياهو لاحقاً بأن تظهر ردة فعله رغبته في احتواء الأزمة، وتفضيل حل سياسي للعديد من المشكلات التي تعاني منها غزة، وقال «عندما يختبروننا فإننا نرد عليهم فوراً. وإذا استمروا في اختبارنا فإنهم سيدفعون ثمناً غالياً».

والمشكلة أنه طالما أن الحكومة الإسرائيلية لا تطالب بتجريد «حماس» من السلاح بالكامل لإعادة الإعمار الكامل في غزة، كما فعلت في الماضي، فمن المرجح أن تدابير التخفيف التي تقدمها لا ترقى إلى مطالب «حماس» وتوقعاتها. ومن هنا فإن «حماس» تذكّر الآخرين أيضاً بأنها لاتزال تحتفظ بخيارها العسكري، ففي الشرق الأوسط عادة لا تكون كل المفاوضات حول طاولة مستديرة، وإنما عن طريق الصواريخ والقذائف أيضاً.

تويتر