بعد مرور عام على «أزمة قطر»

«تعنت الدوحة» أثر فــــي جهود واشنطن لمجابهة إيـــــران

صورة

عام على أزمة قطر.. «مكابرة» الدوحة  تبدد فرص الحل

يمرّ عام على الأزمة مع قطر، ويبقى العناد القطري على حاله، وتبقى الآثار الكارثية للسياسة القطرية، على الصعيدين المحلي والإقليمي، ماثلة للعيان، فالأوضاع الاقتصادية الخانقة لاتزال هي العنوان الرئيس للحياة القطرية، وهذا ينعكس بوضوح على حركة الموانئ والاستيراد والتصدير، وحرية نقل البضائع، والاستثمار، والطيران. والمشكلات الاجتماعية تتفاقم وسط صعوبات يواجهها الأفراد في التنقل والحركة. والاحتقان السياسي يربك القيادة القطرية ويجعلها غير قادرة على تحديد اتجاه البوصلة وسط حالة من الفوضى تعم المنطقة، مرجعها في الغالب سياسات حكام الدوحة، التي شجعت على تنامي ظاهرة الإرهاب وأبرمت تحالفات مع الإرهابيين واستضافتهم فوق أراضيها، وسهلت لهم الحركة ونقل الأموال وغير ذلك.


منذ اندلاع الأزمة بين قطر من ناحية، والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر، من ناحية أخرى، حاولت الدوحة نفي صحة التهم التي وجهت إليها، والتهرب من تنفيذ قائمة المطالب الـ13 التي طلب منها تنفيذها، لكن وسائل الإعلام في دول «الرباعية العربية» ووسائل إعلام دولية، نشرت العديد من المقالات التي أوردت أدلة على دعم الدوحة وتشجيعها للإرهاب، ما استدعى تبني هذا الموقف ضدها. هذا الموقف، إضافة إلى رفض قطر القوي لتعديل سياستها الخارجية تحت ضغط من «الرباعية العربية»، قد أسهما بلاشك في تعميق الخلاف الدبلوماسي لمجلس التعاون الخليجي، الذي طال أمده بشكل أطول من الخلاف الخليجي الذي تفجر في عام 2014.

وفي الذكرى الأولى لمرور عام على خطاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التاريخي في القمة العربية الإسلامية - الأميركية في الرياض يوم 21 مايو، لاتزال الجهود الأميركية لحل أزمة قطر متواصلة، لكن من دون تحقيق أي نجاح يذكر.

خصم إقليمي

في هذه المرحلة تتجه السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط نحو مواجهة إيران، التي يُعترف بها خصماً إقليمياً في واشنطن. ولهذا فإن أعضاء مجلس التعاون الخليجي يمثلون عنصراً أساسياً في أجندة إدارة ترامب لمناهضة إيران. ومما لاشك فيه، أن مجلساً منقسماً، جراء التعنت القطري والتردد الأميركي، سيوفر لطهران مزيداً من الفرص للاستفادة من الانقسامات بين أعضاء المجلس، ما سيضعف من قدرة واشنطن والرياض على العمل مع تحالفات قوية للرد على إيران، في الوقت الذي تعزز نفوذها في العراق وسورية واليمن، وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي.

السؤال الرئيس هو ما إذا كان ترامب يملك الإرادة للضغط على الدوحة، وإقناع أطراف الأزمة بالمصالحة، وإعادة تركيز الجهود على مواجهة إيران، بدعم كامل من الإدارة الأميركية. ولتحقيق هذه الغاية، يجب على واشنطن تطوير خارطة طريق توفر تدابير للحفاظ على مصالح جميع الدول المشاركة في النزاع الخليجي.


بروتوكول تفاهم

يمكن أن تقترح الولايات المتحدة بروتوكولاً على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، للتعامل مع تمويل الإرهاب، بالتعاون مع الوكالات الحكومية الأميركية والأوروبية لمكافحة الإرهاب، بحيث يتفق الجميع على رصد الممولين للإرهاب، والكشف عنهم، وإنفاذ العقوبات ضدهم. وبالقطع ستوافق جميع البلدان على إدراج مثل هؤلاء الأشخاص في القائمة السوداء.

يمكن لواشنطن أيضاً التفاوض على مذكرة تفاهم لتمويل عمليات مكافحة الإرهاب مع كل عضو من أعضاء مجلس التعاون الخليجي، مماثلة لتلك التي وقّعتها مع الدوحة في يوليو. وينبغي على واشنطن أيضاً أن تقترح التزام جميع دول مجلس التعاون الخليجي بالمعايير الدولية للإنترنت /‏ وسائل الإعلام، للحماية من الهجمات السيبرانية الحقيقية.


• السؤال الرئيس هو ما إذا كان ترامب يملك الإرادة للضغط على الدوحة، وإقناع أطراف الأزمة بالمصالحة، وإعادة تركيز الجهود على مواجهة إيران، بدعم كامل من الإدارة الأميركية. ولتحقيق هذه الغاية، يجب

على واشنطن تطوير خارطة طريق توفر تدابير للحفاظ على مصالح جميع الدول المشاركة في النزاع الخليجي.

ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي ليست فقط شريكاً استراتيجياً، وإنما أيضاً تمثل كياناً ذا إمكانات كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني. وتمثل قطر بالنسبة لها موطن قاعدتها الجوية «العُديد»، المقر الأمامي للقيادة المركزية الأميركية، التي تشرف على حملة التحالف بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم «داعش» في العراق وسورية، وتحتفظ بخط مباشر مع روسيا لإدارة سماء سورية المزدحمة بالحركة الجوية.

وتستضيف البحرين، وغيرها من أعضاء «الرباعية العربية»، الأسطول الخامس التابع للبحرية الأميركية، واللوجستيات الأخرى اللازمة لحملة واشنطن ضد «داعش»، فضلاً عن الصراعات في أفغانستان واليمن، ما يؤكد أن حل أزمة قطر أمر حيوي للنهوض بالمصالح الأميركية في الشرق الأوسط. ومما لا شك فيه أن استمرار هذا الخلاف، بسبب تعنت قطر وعجز الإدارة الأميركية عن ممارسة الضغوط على الدوحة، يمكن أن يكون له عواقب جيوسياسية كبيرة على أجندة واشنطن في الخليج والشرق الأوسط، بما في ذلك المشاركة التركية والإيرانية والروسية في الشؤون الإقليمية.

وبسبب هذه الاعتبارات، إلى جانب إجماع ناشئ في واشنطن على أن الأزمة أدت إلى نكسة استراتيجية لأطراف عدة، بما في ذلك بالنسبة للولايات المتحدة، فإن نافذة الفرصة لحل الأزمة تضيق أكثر.

ويمكن أن تُعزى هذه الأزمة مباشرة إلى مظالم قديمة واجهتها دول «الرباعية العربية»، بسبب السياسة الخارجية لدولة قطر، ودور قناة الجزيرة، التي ظلت تقدم على الأقل بين 1996 إلى 2013 أجندة الدوحة للسياسة الخارجية. واستخدمت الإمارة الشبكة كأداة سياسية لاستقطاب الدول العربية بشأن قضايا حساسة مثل دور الإسلام السياسي، والفساد، وحشد الدول العربية ضد غزو واحتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وتشجيع التوجه للديمقراطية عبر العالم العربي.

وثمة حقيقة مفادها أن معظم الإسلاميين الذين دعمتهم قطر في أعقاب الربيع العربي فشلوا في ترسيخ مواقعهم في الحكومات العربية، باستثناء الفرع التونسي لجماعة الإخوان المسلمين.

وفي الواقع، فإن المرونة التي يتمتع بها النظام السوري، وإبعاد الجيش المصري للرئيس السابق، محمد مرسي، عن سدة الحكم قبل خمس سنوات تقريباً، كانا بمثابة انتكاسات رئيسة لجدول أعمال السياسة الخارجية للدوحة.

مثل هذه المغامرات القطرية في سورية ومصر جنباً إلى جنب مع الخلاف الخليجي في عام 2014، علّمت الأمير تميم درساً مهماً: لكي تحافظ بلاده على بعض نفوذها الإقليمي الذي حصلت عليه بصعوبة، فإن تعزيز العلاقات مع السعودية سيكون أمراً بالغ الأهمية، لكن التجربة أثبتت انه لم يستوعب الدرس جيداً، وأن تعزيز العلاقة مع الرياض له شروط حاول الأمير القطري تجاهلها.

وفي الواقع، فإنه منذ مجيء تميم إلى السلطة في عام 2013 وحتى نشوب أزمة قطر في عام 2017، حاولت الدوحة وفشلت في إيجاد مواءمة شكلية مع الأجندة الإقليمية للسعودية، حيث شاركت في التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن، والذي طردت منه في الخامس من يونيو العام الماضي. وفي ديسمبر 2015 انضمت قطر إلى التحالف العسكري الإسلامي الذي تقوده السعودية لمحاربة الإرهاب، الذي سمي لاحقاً بـ«التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب»، والذي لا تزال قطر تنتمي إليه، على الورق على الأقل.

ومع ذلك فإن «الرباعية العربية» تؤكد أن الأزمة تتعلق أيضاً بفشل قطر في الوفاء باتفاقات الرياض لعامَي 2013 و2014. وتؤكد أن السياسة الخارجية للدوحة أدت إلى تفاقم عدم الاستقرار الإقليمي، لاسيما خلال فترة ما بعد الربيع العربي، من خلال دعم مجموعات الإسلاميين الإقليميين.

البحث عن حل

كانت لدى واشنطن منذ البداية خيارات عدة في ما يتعلق بحل المشكلة وتجنب المواجهة. لكنها اختارت خيار ملامسة الأزمة من بعيد، الأمر الذي شجع الدوحة على التصلب، وقلل من فرص الحل. وإذا كان وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، مؤيداً لمواقف قطر من الأزمة، فإن خليفته، جورج بومبيو، لم يظهر موقفاً مغايراً من الدوحة حتى الآن، وعلى ما يبدو فإن واشنطن ليست لديها الإرادة للضغط على الدوحة في هذه المرحلة لحسابات خاصة بها، منها الحفاظ على وجودها العسكري في قاعدة العديد القطرية، علماً بأن دولاً خليجية قد عرضت عليها توفير بديل للقاعدة لإعفائها من الحرج.

وخلال الزيارة الأولى لوزير الخارجية الأميركية السابق، ريكس تيلرسون، إلى الدوحة في يوليو، بعد فترة وجيزة من اندلاع الأزمة، وقعت الولايات المتحدة وقطر مذكرة تفاهم حول التعاون في مكافحة الإرهاب. ولم يكن الغرض من مذكرة التفاهم إثبات أن الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وقطر سليمة وتترسخ، لكن على نطاق أوسع سعت مذكرة التفاهم إلى الحد من أزمة الخليج وتغيير طابعها من أزمة تركزت على دعم قطر للإرهاب، إلى مجرد نزاع سياسي بين الدوحة والرباعية العربية.

ما لا يُفهم على نطاق واسع أنه في الشهر نفسه، وبالتوازي مع توقيع مذكرة التفاهم، بدأت واشنطن والدوحة الاستعداد للحوار الاستراتيجي بينهما، الذي جرى في النهاية بواشنطن في 30 يناير.

من خلال تقديم مبادئه التي يمكن لجميع الأطراف الموافقة عليها، والتي بنيت أيضاً على مجموعة منفصلة من المبادئ التي طرحها ترامب في قمة الرياض، سعى تيلرسون إلى تفتيت عناصر القائمة الأولية للمطالب الـ13 التي اشترطتها «الرباعية العربية» على قطر لإنهاء الأزمة، على الرغم من أن ترامب قام بالتغريد لمصلحة موقف الرباعية في السادس من يونيو، بعد يوم واحد من مقاطعة قطر، ويمكن القول إنه اتبع حلاً دبلوماسياً في سعيه لإنهاء الأزمة، كجزء من استراتيجية الحفاظ على الأمن القومي الأميركي.

وكجزء من هذا الجهد، استضاف ترامب أمير الكويت في البيت الأبيض في الخامس من سبتمبر، حيث دعا إلى المصالحة الخليجية، وبعد أسابيع التقى ترامب مع الأمير تميم في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أكد مرة أخرى على الحاجة إلى مجلس تعاون خليجي موحد.

وبالتوازي مع هذه الجهود، اختارت واشنطن خلال المرحلة الأولية من الأزمة حلاً غير مباشر، من خلال وساطة كويتية، مع ممارسة الضغط وراء الكواليس على الطرفين لحل المواجهة بينهما داخلياً من خلال مجلس التعاون الخليجي. كانت الفكرة وراء وساطة الكويت هي إتاحة الفرصة للجميع لحل الأزمة «داخل البيت الخليجي» دون وساطة غربية أو روسية أو تركية. وفي أعقاب الاجتماعات الثنائية الثلاثة المتتالية بين الولايات المتحدة وقطر والسعودية والإمارات، يخطط البيت الأبيض لاستضافة قمة كامب ديفيد لقيادة مجلس التعاون الخليجي، من أجل وضع نهاية للأزمة بشكل رسمي.

وكجزء من استراتيجية واشنطن لحل الأزمة من خلال تضييق الفجوات الحالية بين «الرباعية العربية» وقطر، أرسلت وزارة الخارجية الأميركية نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الخليج العربي في مكتب الشرق الأدنى، تيموثي لانديركينج، والجنرال (متقاعد) أنتوني زيني إلى المنطقة. ومن المرجح أن يواصل هؤلاء المسؤولون الأميركيون الذهاب إلى المنطقة للمساعدة في إعداد الأسس لـ«كامب ديفيد» وتوضيح القضايا المختلفة.

تويتر