بعد القيام بتحالفات مع دول أوروبية قوية

اليابان تعود إلى المسرح الدولي بقوة

صورة

بعد نحو 3 أشهر من اجتماع وزيري الدفاع والخارجية اليابانيين مع نظيريهما البريطانيين، في المتحف الوطني للحياة البحرية في غرينش ببريطانيا في ديسمبر 2017، كان وزير الخارجية الياباني تارو كانو، ووزير الدفاع الياباني اتسونوري اونوديرا، يقفان مع نظيريهما الفرنسيين في طوكيو. وركزت المحادثات في الحالتين على حرية الحركة في المحيطين الهندي والهادي، وأكدوا مصالحهم المشتركة في المنطقة. وكانت هذه الاجتماعات مهمة بالنظر إلى العدد الكبير من القضايا المشتركة بين الأطراف ذات العلاقة، إذ إن الولايات المتحدة واليابان «حليفان قويان»، والمملكة المتحدة وفرنسا تربطهما علاقات دفاعية قوية جداً، وكذلك مع الولايات المتحدة، فهم أعضاء أقوياء في حلف الناتو، وبريطانيا وأميركا هما عضوان في منظمة «العيون الخمسة» للتعاون الأمني، وأستراليا هي عضو أيضاً في هذه المنظمة، التي تربطها الآن علاقات دفاعية ثنائية مع كل من اليابان، وبريطانيا، وفرنسا.

سمة العصر

تطوير المخابرات

في عهد آبي، صدرت تشريعات مهمة لتطوير جهاز الأمن القومي، كما أصدر آبي قانوناً يسمح بالأمن الجماعي مع شركاء إقليميين، وأدخل إصلاحات في مجال المخابرات تهدف إلى محاربة التجسس داخل الدولة.

ويُقال إن اليابان على أعتاب إصلاحات مخابراتية بعيدة المدى أيضاً، خصوصاً في ما يتعلق بتشكيل وكالة مخابرات يقودها أشخاص مدنيون، وتشرف عليها لجنة برلمانية.

وتم إنجاز معظم هذه الإصلاحات بالتشاور مع تلك الدول، التي تعتبرها اليابان شريكة لها، إن لم تكن حليفة، بما فيها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وأستراليا.


بدأ الآن توجه اليابان نحو أوروبا بصورة أكثر جدية من أي وقت مضى، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال طرق عدة.

وكما كتبت من قبل، فإن التبجح بضعف النظام الليبرالي الذي يعتمد على حكم القانون، ومعظمه يأتي من قبل موسكو وبكين، قد أصبح السمة التي تميز هذا العصر، وقبل بضع سنوات سعى العديد من الخبراء لوضع إطار للعلاقات الدولية لتتناسب مع المعطيات الحالية، ونجم عن ذلك ظهور جدالات ضرورية وملائمة، حول كيفية تطوير النظام الذي يستند إلى حكم القانون، بحيث يصبح ملائماً لحقائق القوى الجديدة، وكانت هذه الجدالات على حق، وهي ضرورية من الناحية الأخلاقية لهذا النظام، للحفاظ على تماسكه وشرعيته، وفي أعقاب عام 2014، أصبح الكثير مما كان ينبغي أن يكون تطوراً مستنداً إلى القانون، ثورة من أجل السلطة.

ففي فبراير 2014 قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم. كما دخل الكثير من الجنود المقنعين الروس إلى شرق أوكرانيا، منتهكين مذكرة بودابست لعام 1994، المتعلقة بالضمان الأمني للدول، وفي بداية سبتمبر 2014 بدأت سفن صينية بعمليات السيطرة على جزر جونسون، وهي جزء من طريق بحري مزدحم عادة، لا تملك الصين فيه أي حق.

وعلى الرغم من ارتفاع الأصوات المنددة بهذه الأعمال، إلا أن الحقيقة الواضحة أن العالم الغربي فزع ومرتبك بشأن كيفية الرد عليها، ولم يؤد انتخاب رئيس أميركي تميز بأسلوبه المتفرد في التجارة، والمؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، إلى أي نتيجة، وعلى الرغم من ذلك، يكشف اجتماع الوزيرين اليابانيين مع نظيريهما البريطانيين والفرنسيين عن أن النظم الديمقراطية الليبرالية تعزز الروابط في ما بينها، ليس بهدف احتواء الصين كما قال البعض، وإنما لمحاولة ردع مزيد من السلوكيات المغامرة، ولدعم النظام المستند إلى حكم القانون، من خلال التكتلات الدولية السابقة الذكر.

دور محوري

وربما أن أكثر ما يلفت الانتباه في هذه التكتلات هو الدور المحوري الذي تضطلع به اليابان حالياً. ومن المعروف أنه حتى عام 1991، لم تكن اليابان تقيم شراكات أمنية وثيقة إلا مع الولايات المتحدة، وظلت متشبثة بقانونها السلمي وسياستها الخارجية، التي ورثتها من التسوية التي توصلت إليها بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من معارضة الصين وكوريا الجنوبية، فإن الولايات المتحدة، وأستراليا، والهند رحبت وشجعت على إعادة إحياء القوة والدبلوماسية اليابانية، بهدف العودة إلى الأسرة الدولية بصورة طبيعية، وهذا ما ميز وجهات نظر العديد من القادة اليابانيين داخل الحزب الليبرالي الديمقراطي، الحزب الحاكم في اليابان، بمن فيهم جانشيرو كويزومي، وتارو آسو، وشينزو آبي، وعلى الرغم من أن كويزومي هو أول رئيس حكومة في مرحلة ما بعد بناء الاقتصاد، إلا أن آبي كان - من نواحٍ عدة - الأكثر ثورية وديناميكية، في ما يتعلق بالسياسة الأمنية لليابان على الصعيدين الإقليمي والأوروبي.

توجه نحو أوروبا

وبدأ الآن توجه اليابان نحو أوروبا بصورة أكثر جدية من أي وقت مضى، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال طرق عدة؛ أولها أن اليابان والاتحاد الأوروبي يتجهان نحو توقيع اتفاقية تجارة حرة، بحلول الصيف المقبل كما يُقال، وهذا من شأنه أن يجعل اليابان تتجاوز الصين، وكوريا الجنوبية، وحتى الولايات المتحدة أيضاً، وتعتبر الصين ثاني أكبر شريك اقتصادي لليابان، في حين أن الولايات المتحدة هي أكبر شريك اقتصادي لها على الإطلاق، وبالنظر إلى أهمية هذه العلاقة الاقتصادية لأوروبا، فإن علاقات اليابان مع فرنسا وبريطانيا تسير بصورة مطردة.

وبدأت اجتماعات وزيري الخارجية والدفاع اليابانيين مع نظيريهما الفرنسيين في عام 2014، وهو العام ذاته الذي بدأت فيه الصين وروسيا استخدام القوة العسكرية لتحدي نظام حكم القانون، وفي العام التالي بدأ الوزيران اليابانيان اجتماعاتهما مع نظيريهما البريطانيين، وكانت العلاقات الثنائية بين الطرفين تتسم بتشابه مدهش مع العلاقات اليابانية الأسترالية الثنائية، من ناحية أنها تتسم بعدم الالتزام، ولكن مع ذلك فإنها تسعى إلى إضفاء الطابع المؤسسي على التعاون في أنواع القطاعات التي تخصص تقليدياً للحلفاء المقربين، وبناء عليه وافقت كل من لندن وباريس على توقيع اتفاقات انتقالية مع طوكيو، وتسمح بإيجاد تعاون دفاعي أكبر على مستوى الصناعة الدفاعية، وبالنسبة لفرنسا، يستكشف اليابانيون إمكانية التعاون معها حول صناعة طائرة من دون طيار، لكشف الألغام البحرية، وأمّا مع بريطانيا يحاول اليابانيون تركيب حساسات ميتسوبيشي الكهربائية على صاروخ ميتيار «النيزك» البريطاني، إذ إن كلا الدولتين شريك مع الولايات المتحدة في برنامج طائرة إف-35، إذ إنهم يجرون الآن دراسة تهدف إلى تحميل الصاروخ على هذه الطائرة المقاتلة.

وهناك أيضاً العديد من الخطوات الصغيرة الأخرى، فبريطانيا على سبيل المثال وقّعت اتفاقاً لوجستياً مع اليابان عام 2015، يعرف باسم «اتفاقية الاستحواذ والخدمة المشتركة»، والتي تمكن القوات البريطانية ونظيرتها اليابانية من تزويد الأطعمة والوقود والذخيرة، وتنفيذ العمليات اللوجستية الأخرى معاً، وعلى الرغم من أن فرنسا واليابان لم توقعا حتى الآن مثل هذه الاتفاقية إلا أن البيان الصادر عن اجتماعات وزيري الخارجية والدفاع اليابانيين مع نظيريهما الفرنسيين، تضمن تحقيق تقدم كبير بشأن اتفاقية حول الموضوع اللوجيستي.

المحفزات

ويبرز سؤال حول محفزات اليابان للقيام بكل هذا، ولعل الإجابة تكمن في انعدام الأمن ودوره الأساسي في هذا الجانب، وترى طوكيو أن هذه الشراكات الأمنية والتعاون في الصناعات الدفاعية باعتبارها أسلوباً لتطوير علاقات شبه تحالف مع عدد من الدول الغربية، وكوسيلة تهدف إلى إيجاد توازن في مواجهة ما بات يصبح بروز قوة الصين المرعب.

ولكن ليس كل ما سبق يمثل استراتيجيات عظيمة، إذ إن اليابان مثل أي دول متقدمة تواجه تضخماً في الدفاع، وهو ناجم عن التكاليف المتزايدة للأبحاث والتطوير للقدرات الصناعية الدفاعية، ويكفي المرء أن ينظر إلى طاقة الحوسبة المتطورة الموجودة في أحدث المقاتلات المتطورة، بالمقارنة مع مثيلاتها قبل نحو 60 عاماً.

وفي تحركها نحو القوى الصناعية المتوسطة، مثل فرنسا والمملكة المتحدة، من الواضح أن اليابان تتطلع إلى الحصول على نصائح مناسبة بهدف التقدم في عملية البحث والتطوير، وبالطبع فإن السؤال المفصلي هنا سيكون عما إذا كانت هذه الشراكات الأمنية ستؤدي إلى تحالفات شاملة. ولكن في وضعها الحالي، من غير الواضح ما إذا كانت كافية لدعم نظام حكم القانون الذي يحتاج إليها أكثر من أي وقت مضى.

جون هيمينغز : مدير مركز آسيا للدراسات

تويتر