الاقتراح يثير موجة من الانتقادات

ترامب يريد عرضاً عسكرياً لإظهار قوة أميركا

ترامب يريد استعراضاً عسكرياً أكبر من العرض الفرنسي. أرشيفية

دعونا نطرح المسألة من هذا المنطلق: لاتزال العروض العسكرية تُقام في الولايات المتحدة بشكل منتظم، إنها تُقام في المدن الصغيرة في جميع أنحاء البلاد، لتكريم قدامى المحاربين، وتذكر بأولئك الذين قتلوا في ساحة المعركة، وتعزز علاقات المجتمع مع الجيش. لكن آخر مرة أقيم فيها عرض عسكري في واشنطن، كان في عهد جورج بوش الأب، في عام 1991 اذ كانت الولايات المتحدة قد خرجت للتو من حرب العراق الأولى «منتصرة»، وشاهد العرض نحو 200 ألف أميركي، وقيل إنه كلف نحو ثمانية ملايين دولار.

كان العالم مختلفاً آنذاك (حتى لو كان لذلك العرض منتقدون). الحرب الباردة التي دامت خمسة عقود تقريباً قد انتهت، والعالم ثنائي القطبية في الحقبة السابقة أفسح الطريق أمام عالم كانت فيه الولايات المتحدة، القوة العظمى العالمية الوحيدة، وسمح العرض بإحياء الذكريات التي لاتزال حاضرة للحروب في كوريا وفيتنام.

استعراض القوة

العرض العسكري في واشنطن، الذي ربما يبدو

ملائماً لنهاية حرب أهلية، أو حرب عالمية أولى،

أو حرب عالمية ثانية، أو حرب الخليج الأولى -

وكلها صراعات مع فائزين واضحين - لا يحمل

المطالبة نفسها اليوم.

وبعد 25 عاماً، يريد الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، أن يرى عرضاً عسكرياً في واشنطن لتكريم القوات المسلحة واستعراض القوة العسكرية الأميركية، هذه القوة ليست موضع شك؛ فالولايات المتحدة تنفق أكثر على الدفاع من سبع دول كبرى مجتمعة. لكن النجاحات العسكرية، مثل تلك التي حدثت في العراق عام 1991، لم تكن سهلة المنال، ولاتزال الولايات المتحدة في أفغانستان بعد 16 عاماً من إطاحتها حركة «طالبان»، ولها وجود محدود في العراق، ولديها حالياً قوات في سورية، ويواجه التحالف تحدياً في شرق آسيا ليس فقط من جانب الصين بل من جانب كوريا الشمالية. إن العرض العسكري في واشنطن، الذي ربما يبدو ملائماً لنهاية حرب أهلية، أو حرب عالمية أولى، أو حرب عالمية ثانية، أو حرب الخليج الأولى - وكلها صراعات مع فائزين واضحين - لا يحمل المطالبة نفسها اليوم.

وفي ذلك، قال المتحدث السابق باسم قائد رئاسة هيئة الأركان المشتركة، العقيد ديفيد لابان، «نحن ببساطة لا نعتقد أن العرض على المستوى الوطني مناسب، في الوقت الذي لايزال فيه أبناء أميركا وبناتها معرضين للأذى». وكانت هناك دعوات إلى إقامة عرض عسكري في نيويورك للاحتفال بانتهاء الحرب العراقية الثانية، ويقول أستاذ التاريخ في جامعة «برينستون»، جوليان زيليزر، إن بعض الأميركيين ينتقدون اقتراح ترامب ليس لأنهم لا يدعمون الجيش، ولكن، على عكس الدول الأخرى، كانت الولايات المتحدة دائماً تريد «تخيل أنفسنا نحتفل بقيم تتجاوز الجيش». وبمقارنة الولايات المتحدة بالسوفيات، يقول: «كنا دائماً نعرف عن أنفسنا من خلال قيمنا»، متابعاً: «قد لا يكون ذلك صحيحاً، ولكن هذه هي الطريقة التي اتبعناها: الحرية، ومن خلال السوق بدلاً من السلطة». ويرى زيليزر أن الولايات المتحدة تميزت بقيمها العليا «إذا سقط ذلك، بالنسبة لبعض الناس فإننا نقترب من قوة عسكرية هي أساس قوتنا».

تقاليد دول أخرى

كانت المسيرات العسكرية، منذ فترة طويلة، تقليداً سنوياً في بلدان أخرى، ولاتزال روسيا تحظى بتأثير مثير للإعجاب كل عام، كما تفعل الدول الاستبدادية مثل الصين وكوريا الشمالية التي تجري عرضاً عسكرياً خاصاً بها بانتظام. وكذلك الدول التي تتطلع إلى إضعاف منافسيها: الهند وباكستان؛ اليونان وتركيا، ويمكن أن تكون الاستعراضات العسكرية سمة من سمات الديمقراطيات الغربية مثل فرنسا، التي أعجب ترامب بموكبها العسكري في يوم الباستيل، وهو يريد أكبر من ذلك.

ويقول الباحث في معهد هدسون والمتخصص في الشؤون الأوروبية والأطلسية، بنجامين حداد، إن «العرض الفرنسي ليس مثيراً للجدل وهو يحظى بشعبية كبيرة»، متابعاً: «لن أقول إنها لحظة مركزية في الجمهورية الفرنسية. يحدث ذلك في ذكرى الباستيل، والناس يحبون ذلك، وحتى الأطفال يذهبون للمشاهدة»، ويستدرك الخبير «لا أعتقد أن ذلك مفرط أو مبالغ فيه والكثير من الشعب الفرنسي سيفاجأ برؤية أن العرض يحظى باهتمام كبير هنا، وأنه قد تم استنساخه».

جذور يوم موكب الباستيل تعود إلى هزيمة فرنسا في الحرب الفرنسية البروسية في عام 1870، وبدأ العرض في عام 1880 كرد فعل على تلك الهزيمة «كوسيلة لاستعادة الفخر الوطني إلا أنه قد شهد تحديثاً كبيراً طرأ عليه منذ ذلك الحين، خصوصاً خلال العقد الماضي». لكن نقاد ترامب يشيرون إلى أن الرئيس، مثل الرئيس السابق له، لم يخدم أبداً في الجيش، ويشيرون أيضاً إلى التكاليف المحتملة للعرض، وإعجاب ترامب بالقادة الاستبداديين، فضلاً عن مظاهر فترة الحرب الباردة في العرض كأسباب لتحفظهم على الحدث المخطط له، وقال مؤرخ الرئاسة، دوغلاس برينكلي، في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»، معلقاً «ماذا سيفعلون. يقفون هناك في حين أنه سيمر عليهم ترامب للتحية»، متابعاً «هذا تجسيد لشيء نراه في بلد استبدادي، ما لم يكن هناك سبب حقيقي وجاد للقيام بذلك». وحول هذه الأسباب قال وزير الدفاع، جيمس ماتيس، إننا «ندرك جميعاً في هذا البلد مودة الرئيس واحترامه للجيش، لقد وضعنا بعض الخيارات وسنرسلها إلى البيت الأبيض لاتخاذ قرار».

كريشناديف كلامور محلل وكاتب سياسي

تويتر