اتهمت الوزير والإدارة بتدمير الدبلوماسية

دبلوماسية أميركية تكشف في رسالة استقالتها تدني معنويات فريق «الخارجية»

صورة

رسالة استقالة بعثتها دبلوماسية إلى وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، تلقي بالضوء على مدى انهيار الروح المعنوية لدى طاقم الوزارة، تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب. هذه الدبلوماسية الحائزة إحدى الجوائز، والتي ينتظرها مستقبل مبهر في الحياة الدبلوماسية، أثارت جدلاً مستفيضاً برسالة استقالتها تلك، والتي تتهم فيها تيلرسون، وإدارة ترامب، بالعمل على إضعاف وزارة الخارجية، وتدمير نفوذ أميركا في العالم.

تقول شاكلفورد، في رسالتها، إنها تغادر «بقلب مثقل»، وإنها أحست بالصدمة عندما ألقى تيلرسون ظلالاً من الشك على أهمية حقوق الإنسان، في كلمة قصيرة أمام موظفي الوزارة يوم 3 مايو.

وكتبت إليزابيث شاكلفورد، التي عملت، أخيراً، ضابطاً سياسياً في نيروبي، مسؤولة عن البعثة الأميركية إلى الصومال - إلى تيلرسون بأنها قررت التخلي عن منصبها رغماً عنها، لأن الإدارة الأميركية تخلت عن حقوق الإنسان كأولوية وزارة الخارجية، وظلت تحتقر العمل الدبلوماسي الذي تؤديه وزارة الخارجية.

وتقول في رسالتها: «أكنّ احتراماً كبيراً لطاقم الخدمات المدنية والخارجية، الذين لم تبدِ هذه الادارة أي احترام لمهنتهم، والذين واصلوا النضال للحفاظ على المسار الإيجابي لسياستنا الخارجية، كي لا تحدث كارثة عالمية في هذه الأوقات الخطرة والمتزايدة باستمرار». وتمضي قائلة «مع مرور كل يوم، تصبح هذه المهمة أكثر عقماً، ما يدفع ذوي الخبرة والموهوبين إلى الخروج من الوزارة بأعداد أكبر من أي وقت مضى».

فقدان الثقة

يقول زملاؤها القدامى إن رحيلها – والمشاعر التي عبرت عنها في رسالتها - تعكس رحيل مجموعة كبيرة من الدبلوماسيين ذوي الوظائف المتوسطة، والذين فقدوا الثقة بالطريقة التي يدير بها تيلرسون الشؤون الخارجية، ونهج إدارة ترامب في ما يتعلق بالدبلوماسية. ويقول أحد زملائها المستقيلين «إنها ترمز لما ظللنا نخسره في جميع المجالات»، ويمضي قائلاً «إنها الأفضل بيننا، وكان من المفترض ألا نخسر أفضل زملائنا، وهذا ما يجب أن يقلق أمثالنا بشأنه». وتقول شاكلفورد في رسالتها إنها تغادر «بقلب مثقل»، وإنها أحست بالصدمة عندما ألقى تيلرسون ظلالاً من الشك على أهمية حقوق الإنسان، في كلمة قصيرة أمام موظفي الوزارة يوم 3 مايو.

وترى شاكلفورد أن دور الوزارة في المداولات الحكومية الداخلية قد «انحسر» لحد بعيد، وظل البيت الأبيض يمنح وزارة الدفاع (البنتاغون) التفويض لرسم السياسة الخارجية للبلاد، بينما بقيت الوزارة فاقدة لبوصلة الاتجاه، بسبب الشواغر الوظيفية، والموازنة المقترحة، وتقليص طاقمها.

وأضافت «أن كلفة هذا الأمر تنعكس كل يوم في بعثة الصومال، والتي يمثلها منصبي، حيث يصيب الوهن النفوذ الدبلوماسي للوزارة، في ما يتعلق بإطار علاقتنا مع الإدارات المختلفة في الصومال».

في الفقرة الختامية من رسالتها، دعت تيلرسون إلى «وقف نزيف تسرب الكوادر من خلال إظهاره القيادة الحكيمة والتزامه بقضايا شعبنا، وبعثتنا، ومهامنا التي تمثل ذراع السياسة الخارجية للولايات المتحدة». وتخاطبه بقولها «إذا لم تستطع القيام بذلك بجدارة داخل هذه الإدارة، فإنني أنصحك بتواضع أن تخرج معي من هذا الباب». وتشير جميع الأصابع إلى أن شاكلفورد دبلوماسية واعدة، وتم إعدادها لتولي أدوار القيادة العليا المستقبلية، والتي يقول أحد ضباط الخدمة الخارجية القدامى إن هذه الخطوة غير عادية لدبلوماسية في سنها.

انتقاد تيلرسون

ويواجه تيلرسون موجة من الانتقادات من المشرعين، ومن دبلوماسيين كبار سابقين، فيما يزعمون أنه تفكك تعانيه وزارة الخارجية وسط نزيف للمواهب وتجميد التوظيف، وهبوط معنويات العاملين في الوزارة، إلا أنه يرفض بشدة الانتقادات، زاعماً أن وسائل الإعلام تبالغ في تضخيم عدد الموظفين الذين تركوا الوزارة.

بيد أن أشد منتقديه يلقي معظم اللوم بشأن هذه الوزارة المضطربة على الرئيس ترامب، الذي يبدي عدم صبر واضحاً بشأن الدبلوماسية وكثيراً ما همش دور تيلرسون.

وتعكس مشاعر شاكلفورد أيضاً مخاوف طويلة الأمد، لكن متعاظمة بين الدبلوماسيين والخبراء، بأن السياسة الأميركية تسيطر عليها وترسم مسارها القوة العسكرية، خصوصاً في إفريقيا. فقد وسع البنتاغون من بصماته وعملياته في القارة بتمويل إضافي، في حين تواجه وزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية نقصاً حاداً في ميزانيتهما، وشحاً في السفراء أو كبار المسؤولين في واشنطن.

وتقول الدبلوماسية المتقاعدة والمساعدة السابقة لوزير الخارجية للشؤون الإفريقية، ليندا توماس غرينفيلد، إن الجيش الأميركي يلعب دوراً حيوياً في إفريقيا، وفي أي مكان آخر من العالم، إلا أن البندول يتأرجح بعيداً جداً عن الدبلوماسية. وتضيف «ليس المطلوب فقط إنجاز المهام العسكرية، وإنما يجب أن يكون هناك مكمل يتمثل في العمل الدبلوماسي والتنمية، جنباً إلى جنب مع العمل العسكري».

الوضع في الصومال يعكس ترجيح كفة العمل العسكري على العمل الدبلوماسي، حيث تفتقر وزارة الخارجية إلى القوى البشرية والموارد، التي تحصل عليها نظيرتها البنتاغون للعمل في هذا البلد الإفريقي. وفى الأشهر الأخيرة، وسع الجيش الأميركي دوره حيث حشد مئات القوات، ووجه مزيداً من الضربات ضد ميليشيات الشباب، بينما انحسرت الجهود الدبلوماسية عقب مغادرة السفير الأميركي للصومال، ستيفن شوارتز، في أكتوبر الماضي.

وطلب موظفو البعثة الأميركية مراراً من واشنطن، أن تأذن لهم بمقابلة الزعماء السياسيين الصوماليين في فيلا صوماليا، مقر الرئاسة، بيد أن وزارة الخارجية رفضت هذا الطلب لأسباب أمنية. ويستطيع الضباط العسكريون الأميركيون الالتقاء بالمسؤولين الصوماليين في القصر الرئاسي، وتقوم البعثات الدبلوماسية الأجنبية الأخرى بزيارة المبنى بشكل منتظم لإجراء محادثات.

موظفة متميزة

برزت شاكلفورد كموظفة متميزة، خلال عملها في جنوب السودان، حيث أشرفت على إجلاء 1000 أميركي وبعض الرعايا الأجانب، عندما اندلع العنف في العاصمة جوبا في ديسمبر عام 2013. وتقديراً لمهاراتها القيادية وجهودها في التخطيط للإجلاء، حصلت على جائزة باربرا واتسون على مستوى القسم لتميزها القنصلي.

وخلال فترتها القصيرة في جنوب السودان، عملت شاكلفورد على توثيق وتسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، استناداً إلى تقييم الموظفين. ونسقت مع منظمات المجتمع المدني في جنوب السودان، واجتمعت مع ضحايا الفظائع والشهود في خضم الصراع الذي اجتاح هذا البلد الإفريقي، مقتنعة بأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم دون التعرف إلى الجرائم التي ارتكبها كلا الجانبين، وشاركت في كتابة تقرير مفاده أن بعض زملائها من الدبلوماسيين يؤيدون هذه الحجة.

شاكلفورد ليست وحدها التي تتهم إدارة ترامب بالتراجع عن دعم أميركا لحقوق الإنسان والديمقراطية، على مدى الأشهر العشرة الماضية. السيناتور الجمهوري، جون ماكين، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، والسيناتور بن كاردان، عضو لجنة العلاقات الخارجية، وجها رسالة إلى الرئيس يوم الجمعة الماضي، اتهما فيها إدارته بالفشل في تأكيد التزام الولايات المتحدة بحقوق الإنسان.

وذكر المشرعون «صوتنا الوطني كان صامتاً إلى حد كبير، خلال العام الماضي». وقال نائب وزير الخارجية، جون سوليفان، أمام لجنة مجلس الشؤون الخارجية حول جولته، أخيراً في إفريقيا، إنه أثار مراراً قضية الإرهاب في السودان. وقال سوليفان للمشرعين «إن الولايات المتحدة تواصل التأكيد على احترام حقوق الإنسان، كجزء أساسي من استراتيجيتنا لمكافحة الإرهاب».

قبل ستة أشهر، عندما بدأت شاكلفورد تفكر في مغادرة وزارة الخارجية، شجعها زملاؤها على البقاء، مؤكدين لها أنها تحظى بمستقبل مبهر في السلك الدبلوماسي، وأن جميع هذه المصاعب سيتم تذليلها. لكنها عندما أشارت إلى تدني الروح المعنوية، قبل شهرين من استقالتها، حصلت على استجابة مختلفة من زملائها. «كان الأمر مختلفاً جداً لكل شخص، لا أحد نصحني بالبقاء، الجميع قالوا أنت مصيبة».

تويتر