تقرير تشيلكوت عن حرب العراق يحشر رئيس الوزراء البريطاني السابق في زاوية ضيقة

بلير يتحمَّل الوزر الأكبر من الحرب على العراق

صورة

مضت سبع سنوات، منذ أن بدأ السير جون تشيلكوت في صياغة تقريره، عن مسؤولية الحكومة البريطانية في غزو العراق، الذي أطاح (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين، ومع رؤية هذا التقرير النور، الأسبوع الماضي، يطرح كبير المعلقين السياسيين بصحيفة «الأوبزيرفر» البريطانية، آندرو راونسلي، 10 تساؤلات، عما إذا كان هذا التقرير قد أجاب عن «كيف» و«لماذا» جر رئيس الوزراء السابق، توني بلير، بريطانيا إلى خضم هذا الدمار؟!


تقرير تشيلكوت يغيّر مفاهيم البعض بشأن الحرب

استغرق التقرير، الذي وضعه سير جون تشيلكوت ولجنته عن حرب العراق، والذي جاء في 2.6 مليون كلمة، سبع سنوات، أكثر من السنوات الست التي قضاها الجيش البريطاني في العراق. ويعتقد معظم الناس، بما في ذلك كثير من الذين دعموا أصلاً إطاحة (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين، أن الغزو قد تم تسويقه على أساس أجندة مغلوطة، ونقص مريع في الاستعدادات، ما قذف بالعراق إلى مصير مروع. وتمثلت مهام تشيلكوت في جمع كمية هائلة من الشهادات وفحص وثائق سرية، لاسيما الاتصالات الخاصة التي جرت بين (رئيس الوزراء البريطاني السابق) توني بلير، و(الرئيس الأميركي السابق) جورج دبليو بوش، والتي لم تكن لترى النور لسنوات عدة، والتي تمثل قيمة عالية لصانعي السياسات والمؤرخين في المستقبل.

لماذا لم يستطع بلير الاعتراف بأن الحرب كانت خطأ؟

هل يمكن أن تحدث حرب العراق مرة أخرى؟

الدروس المستفادة من الحرب على العراق

أعرب توني بلير، مراراً، عن أسفه للخسائر في الأرواح، سواء من العسكريين البريطانيين أو العراقيين. وفي مؤتمره الصحافي الماراثوني، الذي عقده رداً على تشيلكوت، بدا رئيس الوزراء السابق مبحوح الصوت، وعليه علامات الانكسار عندما اعترف ببعض الأخطاء. وهو يقر الآن بأنه كان من المفترض أن يكون أكثر حذراً بشأن ما سماه المعلومات الاستخباراتية، التي تم استخدامها لتبرير الغزو، على الرغم من أنه لم يعترف أصلاً بأنه لم يمحص الاستخبارات بشكل صحيح، لأنه كان بحاجة لهذه الاستخبارات، لدعم الاتجاه المؤيد للحرب.

لكنه اعترف بأنه كان ينبغي طرح العديد من الاستفسارات، حول مدى استعداد الحلفاء لما سيحدث بعد سقوط صدام. ولم يستطع أن يقول صراحة: «لو كنت أدرك نتيجة ما حدث الآن، فإنني بالطبع لم أكن لأدفع بريطانيا في اتجاه الحرب في العراق». البعض يعتقد أن التحدي الذي يبديه بلير نابع من خداع الذات، والإنكار، والغرور. وأن السبب الأهم في التحدي الذي يبديه بلير، هو أن المشروع – أي الحرب – سيصبح خطأ برمته، ومن الخطأ - في هذه الحالة - أن يقول للثكالى إن أحباءهم ماتوا عبثاً، بسبب حماقة فظيعة.

هل أيّد بلير الحرب سراً في وقت سابق؟

هناك الكثير من رد الفعل الفوري، الذي أبداه تقرير تشيلكوت في هذا الصدد، حيث ركز على مذكرة مكتوبة من قبل بلير أواخر يوليو 2002، والتي استهلها بوعده لبوش «سأكون معك، مهما كانت الظروف»، وهذا في حد ذاته يمثل شيكاً على بياض للرئيس الأميركي، وأحس الدبلوماسيون البريطانيون، الذين رأوا هذه المذكرة في ذلك الوقت بالروع، وتم بالفعل الكشف عنها في الكتب التي تحدثت عن الحرب. وتلى عبارة «مهما» سلسلة من «التحفظات» من بلير، الذي حدد الشروط التي يجب الوفاء بها قبل الشروع في إقصاء صدام، وحدث ذلك في مراحل عدة، خلال الاستعداد للحرب.

ويبدو أن عبارة «مهما» كانت تهدف إلى كسب ثقة بوش واستقطاب اهتمامه، لكن المشكلة هي أن بوش فهم من هذه العبارة أن بلير سيدعمه، سواء استوفى الشروط أم لا. وأخبرني رئيس موظفي بوش، آندرو كارد، في وقت لاحق - والحديث لراونسلي - أنه منذ أن اجتمع الاثنان في مزرعة كروفورد، في عيد الفصح عام 2002، اعتبر الأميركيون أن بريطانيا ستنضم للعمل العسكري. واعتقد وزير الخارجية الأميركي، في ذلك الوقت، كولن باول، الشيء نفسه.

هل كذب بلير بشأن مبررات الحرب؟

منذ بداية الغزو، وصف عدد لا يحصى من المتظاهرين، الذين يحملون لافتات وملصقات في الشوارع وعلى شبكة الإنترنت، بلير بـ«الكاذب»، لأن المبرر لحربه على العراق، هو زعمه امتلاك صدام حسين أسلحة دمار شامل، وهو ما ثبت خطؤه في ما بعد. ونحن ندرك الآن، بل في الواقع عرفنا هذه الحقيقة منذ وقت طويل - الحديث أيضاً لراونسلي - أن المعلومات الاستخباراتية حول أسلحة الدمار الشامل كانت جميعها خاطئة، وأن الكثير منها كان محض وهم.

وإذا أخذنا مثالاً واحداً من أمثلة كثيرة، لم يكن للجيش العراقي أي قدرة على إطلاق أسلحة دمار شامل، خلال الـ45 دقيقة المفترضة، لإصدار الأمر إليه للقيام بذلك. والواقع أن أسلحة الدمار الشامل، التي كان يمتلكها صدام قد اختفت قبل وقت الغزو، وربما تم تدميرها سراً من قبل العراقيين بعد حرب الخليج 1990-1991. والذين كانوا يعتقدون أن بلير تعمد كل ذلك، أصيبوا بخيبة أمل من تقرير تشيلكوت.

ويبرئ التقرير بلير ومستشاريه المقربين من «تلفيق» الملف سيئ الذكر، والذي تم نشره خريف عام 2002، ويعتبر ذلك واحدة من عدد قليل من النقاط التي شعر بلير بالارتياح بشأنها في هذا التقرير، الذي فتح عليه أبواب جهنم. ويلقي تشيلكوت باللائمة على جهاز الاستخبارات العسكرية البريطاني (إم آي 6)، وهو الجهاز الذي أفرط في الوعد، بقدرته على جمع معلومات استخباراتية موثوق بها من داخل نظام صدام الستاليني. وأدرك الجهاز أن واحداً من مصادره الرئيسة يلفق الوقائع حتى قبل الغزو، إلا أن تشيلكوت يقول إن «إم آي 6» أبقى كل ذلك مخفياً، ليس فقط عن الجمهور، ولكن أيضاً عن بلير.

وتلقى بلير تحذيرات، بما في ذلك من كبار موظفيه، بأن كثيراً من المعلومات الاستخبارية تبدو قديمة، هزيلة أو غير موثوق بها، ولا تدعم الادعاء أن صدام يشكل تهديداً وشيكاً. ويتمثل ذنب بلير في أنه استخدم المعلومات الاستخبارية الوهمية على أنها أدلة دامغة، بأن صدام كان يمثل خطراً حقيقياً، بينما كانت الحقيقة خلاف ذلك.

هل كانت الحرب غير شرعية؟

ويخلص تشيلكوت إلى أن الأساس القانوني للغزو «أبعد ما يكون عن المقنع»، ويؤكد أن مجلس الوزراء لم يلجأ إلى استشارة النائب العام، بعد أن كان متاحاً لديه 12 ساعة لتغيير قراره. وفشل التقرير في تقديم حكم بشأن ما إذا كانت الحرب غير شرعية، على أساس أن اللجنة (لجنة تشيلكوت) غير مخولة للحكم على ذلك، ولم يحصل الغزو على موافقة صريحة من الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي سعى بلير لأجله.

من ناحية أخرى، لم تتعرض الحرب قط لإدانة من الأمم المتحدة، وكان الاحتلال قد اتخذ بعد ذلك شكلاً من أشكال التأييد من قبل قرارات تم اتخاذها بعد الغزو، والتي أقرها مجلس الأمن في إطار مستقبل العراق. ولم يكن للمحكمة الجنائية الدولية أي اختصاص للحكم ما إذا كان الصراع ككل غير قانوني، والتي يمكنها مقاضاة الأفراد عن جرائم الحرب، حتى لو لم يكونوا غير موجودين على أرض المعركة، وقت وقوع تلك الجرائم. بعض العائلات الثكلى تريد أن ترى بلير في قفص الاتهام، ويعتقد المحامون أنه من الممكن أن يواجه محاكمة جنائية في بريطانيا، بموجب قانون القرن الـ19 بتهمة «سوء السلوك في ممارسة الوظيفة العامة». وتقترح الأحزاب القومية بأن بالإمكان محاكمته أمام البرلمان، باستخدام الإجراء القديم (العزل)، والذي تم استخدامه آخر مرة في 1806.

هل كان من الممكن إيقاف الحرب؟

كان من الممكن، حتى اللحظات الأولى من الغزو، أن يتصرف الأعضاء الرئيسون في مجلس الوزراء، لوقف مشاركة بريطانيا في الغزو. وكان من الممكن لأي واحد منهم الاستقالة من منصبه لوقف الحرب، بدءاً من نائب رئيس الوزراء، جون بريسكوت، أو وزير المالية، غوردون براون، أو وزير الخارجية، جاك سترو في ذلك العهد. وبينما كان كل التركيز على بلير، فقد كان من المهم أن نتذكر أن كبار مسؤوليه كان بوسعهم وقف مسيرة الحرب، لكنهم لم يفعلوا ذلك. وكان الراحل روبن كوك العضو الوحيد في مجلس الوزراء، الذي استقال وكشف خطاب استقالته عن مبررات قوية، أثبتتها أحداث لاحقة. وتفاعل مع الاستقالة بقية أعضاء الحكومة مع درجات متفاوتة من الحماس أو التردد، من بينهم كلير شورت، التي استقالت في ما بعد.

كما تجدر الإشارة إلى أن المؤسسات الدبلوماسية، ومؤسسة الجيش والاستخبارات وافقت على الحرب - وكان الجيش حريصاً على زيادة المساهمة البريطانية في هذا المنحى - بغض النظر عما ذكره الجيش في وقت لاحق، عندما أدرك الخطأ الفادح. ودعمت معظم المصادر الإعلامية إقصاء صدام، كما حذا الحذو نفسه حزب المحافظين المعارض، وأغلبية الرأي العام في وقت الغزو، وحتى بعد ابتعاد بريطانيا عنه، وكان من الحتمي أن تقع الحرب، لأن بوش كان مصمماً على ذلك.

لماذا كان استعداد الحلفاء لهذه الكارثة سيئاً جداً؟

استطاع الحلفاء الانتصار في حرب العراق التقليدية بسهولة، مع خسائر منخفضة نسبياً وبوتيرة مذهلة. وتمت إطاحة صدام في أقل من شهر، وهو ما يمكن تسميته الانتصار الكارثي. ويصر بلير على أن هذا لم يكن من الممكن التنبؤ به. ويرفض تشيلكوت هذا العذر، وهو محق في ذلك، حيث إن سقوط صدام سوف يطلق العنان لصراع طائفي في العراق، وهو أمر يمكن على حد سواء توقعه، ووقع بالفعل. بوش، الذي كشف عن جهله المريع بالبلد الذي غزاه، لم يجهد نفسه ببساطة، للتعرف إليه قبل الغزو، ولم يفكر بلير في ذلك إلى أن فات الأوان. وفي معرض تحذيره قبل الحرب قال الرئيس الفرنسي، جاك شيراك، إن الغزاة لن يتم الترحيب بهم كمحررين، وحينها التفت بلير إلى أحد مساعديه، قائلاً له «يا لجاك العجوز المسكين، استعصى عليه الفهم، أليس كذلك؟».

وكما اتضح في ما بعد، فقد «قرأ» شيراك الوضع أفضل من بلير أو بوش، مدركاً ما سيؤول إليه الوضع في العراق، فقد فشلت مرحلة ما بعد الغزو في الحفاظ على النظام، وتقديم الخدمات الأساسية، وحطمت أسطورة قوة الحلفاء العسكرية التي لا تقهر، وعجزت عن الوفاء بتعهدها للعراقيين بحياة أفضل. وتصاعدت وتيرة العنف جراء الفراغ السياسي، وتدخلت إيران، وتشرد 400 ألف جندي عراقي ساخط في الشوارع، جراء تسريح الجيش العراقي.

هل أدت الحرب إلى ظهور «داعش»؟

كثيراً ما تدور مزاعم عن أن غزو العراق ساعد على انتشار لهيب الصراع في منطقة الشرق الأوسط. ورد بلير على ذلك قائلاً: إنه إنه حتى لو لم تتم إزاحة صدام ونجليه من السلطة في عام 2003، فإن الصراع كان سيندلع في العراق لاحقاً على أي حال، لأن «الربيع العربي» تسبب في سلسلة من الانتفاضات ضد الأنظمة المستبدة، وحدث هذا في مصر وليبيا وسورية.

وعزز نشر تقرير تشيلكوت أيضاً المزاعم بأن الحرب أدت إلى صعود تنظيم «داعش» الإرهابي، وفجرت الصراع في سورية. محرر شؤون الشرق الأوسط في «الغارديان»، ومؤلف دراسة عن «داعش»، مارتن غلوف، يجيب عن ذلك بقوله إن «الحرب الأهلية في سورية لم تكن مدفوعة بفعل (داعش)، وإنما تأجج أوارها مباشرة بسبب الصحوات العربية، وبالمحاولة للإطاحة بنظام لا يرحم، لم يستطع الأسد الوقوف ضد إرادة الشارع، ولهذا حاول أن يغير الانتفاضة إلى شيء يكون مدفوعاً من قبل الجهاد العالمي المدعوم دولياً، ونتيجة لذلك خرج (داعش) من صلب الفوضى، وازدهر بالدعم المباشر وغير المباشر من الأسد، حتى أصبح وحشاً، لا يمكن لأحد السيطرة عليه».

تويتر