مستحيلة في معظم أجزائها.. وواشنطن اطلعت على بعض خطوطها العريضة

خطة زيلينسكي للسلام لا تضمن السلام لأوكرانيا

صورة

يستعد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للكشف عن أحدث مقترحاته للسلام، لكن من غير الواضح ما إذا كان حلفاؤه يعتقدون أنه يستطيع طرد العدو بالفعل، كما كتب خبير أمني. ففي الوقت الذي يستعد فيه للسفر إلى الولايات المتحدة لإلقاء كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء المقبل، ومقابلة الرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن، يقول زيلينسكي إنه سيكشف النقاب عن خطة لتحقيق النصر في حربه مع روسيا، وهذا يجعل الغرب يتساءل عما يعنيه النصر بالنسبة لخطة زيلينسكي.

ويقول البعض إن خطة زيلينسكي تغطي أمن أوكرانيا وعلاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، واستمرار المساعدات العسكرية والاقتصادية، وإعادة الإعمار بعد الحرب. ويقول الأميركيون إنهم اطلعوا على بعض الخطوط العريضة للخطة ويعتبرونها عملية. ومع ذلك لم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الخطة عبارة عن مخطط عام لكيفية رغبة كييف في إنهاء الحرب (وما تريده من حلفائها)، أو خريطة طريق مفصّلة للوصول إلى هذه الحالة.

وفي الواقع تتضمن خطة زيلينسكي للسلام - المكوّنة من 10 نقاط، والتي أُعلن عنها في نوفمبر 2022 - مطالب عدة من بينها أن يسلم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه لمحكمة جرائم الحرب، لكن ليس هناك أي احتمال لقبول موسكو هذه الخطة، ولكنها مصممة في الأساس لتأمين الدعم الغربي لأوكرانيا، ومنع حلفائها الأقل التزاماً من الضغط عليها لتقديم تنازلات باسم التوصل إلى اتفاق.

إبقاء الحلفاء في الصف

وسيكون لهذه الخطة الجديدة الهدف الفرعي نفسه. وكما خمّن دبلوماسي ألماني أخيراً: «لا أعرف ما إذا كانت هذه الخطة ستجلب النصر للروس، لكنها ربما تهدف - مثل أي شيء آخر - إلى إجبارنا على البقاء في الصف». ورفض زيلينسكي أي وقف لإطلاق النار، أو أي «تجميد للحرب، أو أي تلاعب آخر من شأنه تأجيل العدوان الروسي إلى مرحلة لاحقة». كما رفض مستشاره المؤثر ميخايلو بودولياك التنازل عن أي أراضٍ لروسيا.

إن الدعم الغربي لأوكرانيا، على الرغم من خطب الحلفاء المتكلفة، محدود وغير مؤكد. وهذا هو السبب وراء كشف زيلينسكي عن خطته بهذه الطريقة. وتتردد حكومة الولايات المتحدة في السماح للمملكة المتحدة وفرنسا بدعم أوكرانيا باستخدام صواريخ «ستورم شادو» التي زودتها بها لضرب أهداف استراتيجية في عمق روسيا. وعلى الرغم من أن لندن لا تزال واثقة بأن الإذن سيأتي في القريب العاجل، ربما هذا الأسبوع بعد زيارة زيلينسكي إلى الولايات المتحدة، فإن كييف تعتبره مثالاً قوياً على شروط الدعم التي يفرضها الغرب.

ويتعين على أوكرانيا أن تعمل باستمرار على إقناع حلفائها وحثّهم وإرغامهم ليس فقط على الحفاظ على مساعداتهم لها وتوسيعها، ولكن أيضاً على عدم الضغط عليها لتقديم تنازلات لا ترغب في تقديمها. ولا يزال هناك احتمال انتخاب دونالد ترامب - الذي يدعي أنه سينهي الحرب في «24 ساعة»، ربما بفرض وقف إطلاق النار على الجانبين - في الولايات المتحدة.

إرهاق الحرب

وراء الكواليس هناك إرهاق شديد بين الدول الأوروبية بشأن كلفة الحرب، ففي حين لا تزال بعض الدول - مثل بولندا والمملكة المتحدة - ملتزمة بقوة بالحفاظ على دعم أوكرانيا، فإنه في أماكن أخرى هناك شعور متزايد بأن الوقت قد حان لإنهاء الحرب، حتى لو كان هذا يعني خلق «سلام غير مقبول». ويرجع هذا جزئياً إلى أن الغرب لم يفكر بشكل صحيح في معنى النصر، هل يعني ببساطة طرد الغزاة الروس؟ ومنع موسكو من فرض قيود على السيادة الأوكرانية؟ أو على النقيض من ذلك، توجيه ضربة كارثية لمعنويات روسيا وقدراتها على القتال، بحيث لا يمكنها أن تشكل تهديداً متجدداً في المستقبل المنظور؟ ومن خلال قراءة تصريحات الساسة الغربيين، يمكن للمرء أن يجد كل هذه التعريفات، وأكثر من ذلك.

ولكن بدلاً من حل هذه التناقضات، اختبأ الغرب وراء شعار فارغ مفاده أن الأمر متروك لأوكرانيا لاتخاذ القرار، حتى بعد أن فرض قيوده الخاصة على طبيعة المساعدات التي يقدّمها، وكيفية استخدامها. وبسبب عدم رغبته في معالجة انقساماته بشكل مباشر حول كيفية إنهاء هذه الحرب، لم يتوصل الغرب إلى حل للعديد من المعضلات الرئيسة.

الأرض مقابل السلام

هناك قدر كبير من التشكيك - حتى بين حلفاء أوكرانيا الأكثر صراحة - في أن كييف ستكون قادرة، من خلال الوسائل العسكرية، على استعادة كل قطعة من الأراضي المحتلة. وفضلاً عن ذلك، فإن استعادة الأراضي في حد ذاتها لا تنهي الحرب، بل إنها تنقل خط المواجهة إلى الحدود الوطنية فحسب. وبدون نوع من التسوية التفاوضية، ستكون روسيا حرة في إعادة تشكيل قواتها خلف تلك الحدود، ومهاجمة كل مكان مرة أخرى.

إن المضمون غير المستساغ هنا هو أنه إذا استمرت أوكرانيا في رفض قبول أي خسائر إقليمية - وهو حقها في نهاية المطاف - فإن هذا يصبح أشبه بحرب أبدية. وبعد نقطة معينة، سيسود قدر من الإرهاق، وربما تتأرجح الحرب بين حلقات من القتال الوحشي ووقف إطلاق النار المؤقت، لكنها لن تنتهي، فهل يمكن أن يستمر مستوى الدعم الغربي الحالي الذي بلغت قيمته حتى الآن أكثر من 170 مليار جنيه إسترليني؟

ولكن لماذا لا تستطيع أوكرانيا أن توجّه إلى موسكو الضربة القاضية التي تضمن لها عدم إمكانية أن تشكّل تهديداً لها في المستقبل؟ من حقها أن تتوقع ضمانات أمنية جدية وموثوقاً بها لأي سلام مع جارتها الكبرى، وربما الأكثر استياء. إنها حريصة على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكن على الرغم من أن معاهدتها تتضمن ضمانات أمنية متبادلة، فإن كييف لا تأخذها على محمل الجد، والأمر الحاسم هو أن موسكو لا تأخذها على محمل الجد أيضاً، وهو أمر مهم، لأن الردع يتطلب المصداقية.

وبدلاً من ذلك، تعتبر أوكرانيا ضمانة المساعدة المتبادلة التي ينص عليها «الناتو» بموجب المادة الخامسة من دستوره، هي الضمانة الوحيدة التي تتمتع بالسلطة اللازمة. ومع ذلك، هناك قليل من الحماسة في الحلف للسماح لأوكرانيا بالانضمام إليه. ففي قمته في يوليو، أكد الأعضاء أن «مستقبل أوكرانيا في (الناتو)»، وأن كييف تسير على «مسار لا رجعة فيه» نحو العضوية، ولكن مرة أخرى لم يعطوا أي وعد بالجدول الزمني، ووعدوا ببساطة بدعوة كييف «عندما يتفق الحلفاء ويتم استيفاء الشروط»، ولكن أعضاء «الناتو» قد لا يضطرون إلى توجيه هذه الدعوة لتجنّب نتيجة أكثر إزعاجاً، فأوكرانيا هي التي تقرر أنها بحاجة إلى قدراتها النووية الخاصة باعتبارها الضامن النهائي لأمنها.

تعريف «النصر»

في الأساس هذه حرب تحمّل. ويقول بوتين إنه قادر على استنزاف أوكرانيا حتى الإرهاق، والصمود حتى بعد التزام الغرب. وتأمل كييف أن تعجز موسكو، أو لا ترغب في الاستمرار في الحرب، من خلال توسيعها وفرض تكاليف أكبر. ولكن في ظل عدم قدرة أي من الجانبين على توجيه ضربة قاضية، يرى البعض أن النصر الحقيقي سيكون وضع حد للقتال، وظهور أوكرانيا ذات السيادة والمزدهرة والمتطلعة نحو الغرب، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن الأراضي المتنازع عليها والمهجورة والمدمرة في الجنوب الشرقي لموسكو، وربما تكون الخطوة الأولى نحو ذلك وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، لا توجد أي علامة على أن زيلينسكي يفكر بهذه الطريقة ولا أنه قد ينجو سياسياً إذا كان كذلك، بل على العكس تماماً، كما اعترف مسؤول أوكراني: «لا يزال زيلينسكي الزعيم الوطني الحقيقي الوحيد، لكنه يعلم أن القوميين لا يحبونه حقاً، وسيفعلون ما بوسعهم لإسقاطه إذا بدأ الحديث عن التنازلات».  عن «التايمز» اللندنية

• الدعم الغربي لأوكرانيا، على الرغم من خطب الحلفاء المتكلفة، محدود وغير مؤكد. وهذا هو السبب وراء كشف زيلينسكي عن خطته بهذه الطريقة.

• يتعين على أوكرانيا أن تعمل باستمرار على إقناع حلفائها وحثّهم وإرغامهم ليس فقط على الحفاظ على مساعداتهم لها وتوسيعها، ولكن أيضاً على عدم الضغط عليها لتقديم تنازلات لا ترغب في تقديمها.

تويتر