واشنطن ترى في ذلك فرصة مواتية لها

التحالف الروسي التركي بدأ ينفرط في سورية

صورة

هل من الممكن أن يظل التحالف الروسي التركي سليماً في سورية؟ إنه السؤال الرئيس المطروح إثر الاشتباكات التي وقعت هذا الشهر بين الجيشين السوري والتركي في إدلب. وفي الوقت ذاته فإن الولايات المتحدة تأمل الاستفادة من هذا الوضع، حيث تعرب واشنطن عن دعمها غير المشروط لتركيا، وتعتبرها فرصة أخرى لشجب العمليات الروسية في سورية.

ما الذي حدث؟

عززت دمشق هجومها في إدلب في شهر ديسمبر الماضي. وعندما انهار وقف إطلاق النار الأخير بين موسكو وأنقرة بعد نحو شهر من توقيعه، بدأت تركيا نشر معداتها العسكرية في المنطقة لدعم ميليشيات المعارضة السورية وتعزيز مواقع مراقبتها، التي كان بعضها موجوداً على أراضٍ تسيطر عليها دمشق.

وخلال الأيام العشرة الماضية، تعرض الجيش التركي والمستشارون المدنيون لقصف مدفعي من الجيش السوري مرتين على الأقل، ووقعت إصابات بينهم. وفي الرد على هذه الواقعة قامت تركيا بضرب المواقع السورية، ما أدى إلى وقوع إصابات في صفوف القوات السورية تفوق بـ10 مرات ما وقع في صفوف الجيش التركي.

مَن المُلام؟

لطالما ألقت أنقرة باللوم صراحة على دمشق لقيامها بالتصعيد، على الرغم من أنه في بداية شهر فبراير الجاري ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعض اللوم على روسيا للمرة الأولى، لأنها تترك العنان للرئيس السوري لفعل ما يريد.

ووجّه أردوغان الاتهامات إلى إيران أيضاً، وهدد بأنه يمكن أن يقوّض ما يعرف بـ«تفاهمات أستانا» التي تضمنت الدول الثلاث. وحتى وقت قريب كانت أنقرة تكرر رغبتها في الحفاظ على العلاقة الثلاثية.

وفي البداية كانت تركيا تتلاعب بالوقت على أمل التوصل الى تفاهم مع موسكو. واستضافت أنقرة جولتين من المحادثات بين وزيري الخارجية بالدولتين والقوات الأمنية فيهما، لكنهما لم يتوصلا الى أي شيء، وحتى المحادثة الهاتفية بين أردوغان وبوتين لم تُفضِ الى تسوية.

وبعد ذلك أصدرت انقرة تحذيراً طالبت فيه القوات السورية بالعودة إلى مواقعها التي كانت عليها قبل هجماتها الأخيرة، بحلول نهاية شهر فبراير. وأضاف أردوغان لو أن القوات التركية أو أي شخص آخر أصيب نتيجة الأعمال التي قامت بها حكومة دمشق، ستقوم القوات التركية «بضرب قوات الجيش السوري في أي مكان، بغض النظر عما تم التوقيع عليه في اتفاقية سوتشي».

ما هو موقف روسيا؟

لم تظهر موسكو أي رغبة في تقديم التنازلات. وحاولت في البداية تلطيف الوضع عن طريق القول إن الجيش التركي لم يبلغ نظيره الروسي في الوقت المناسب عن أي تحركات للجند يقوم بها. ولكن روسيا ألقت باللوم على المجموعات الإرهابية في ما بعد.

ووفق بيان صادر عن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 6 فبراير فإن «الجيشين الروسي والتركي قاما بمحاولة أخيرة في منتصف يناير لإدخال وقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد في إدلب حيز التنفيذ. ولكن الإرهابيين لم يكترثوا بتخفيف عملياتهم العسكرية فحسب، وانما زادوا من وتيرة هجماتهم».

وكانت موسكو تقصد أن تظهر أن روسيا وتركيا تعانيان، على حد سواء، جراء التصعيد، لأن العمليات الإرهابية أدت ليس إلى مقتل نحو 100 جندي سوري والعديد من المدنيين خارج منطقة تخفيض التصعيد فقط، وانما مقتل العديد من الخبراء العسكريين الروس والأتراك، وحافظت موسكو على هذا الموقف خلال الأسبوع الماضي. واضافة إلى ذلك، أشارت وسائل الاعلام التي تديرها الحكومة الروسية إلى أن التصعيد بين الجيشين السوري والتركي كان نتيجة الاستفزاز.

ماذا بعد؟

إن انهيار «تفاهمات أستانا» من شأنه تعريض نظام تسوية الصراع في سورية للخطر، والذي أمضت روسيا زمناً طويلاً لبنائه. وأدى التعاون بين الدول الثلاث ذات الصلة، وهي إيران وتركيا وسورية، إلى التوصل الى تسويات «على الأرض»، إضافة إلى إحراز بعض التقدم على الجبهتين السياسية والإنسانية. ولم تكن هناك أي مجموعة وساطة في سورية قادرة على انجاز أي شيء مماثل. وفي الحقيقة، قبل أن تتشكل «تفاهمات أستانا»، شاركت روسيا مع الولايات المتحدة لحل قضايا «على الأرض»، ولكن اتضح أن واشنطن ليس لها من النفوذ على قوات المعارضة السورية، كما هو الحال لدى تركيا.

ويعتقد العالم الغربي أن «تفاهمات أستانا» لم ينتج عنها الكثير سوى تعزيز قوة الرئيس السوري بشار الأسد الذي استعاد نحو 70% من الأراضي السورية خلال السنوات الثلاث الماضية.

بوتين يكتشف مدى ألم صداقته مع أردوغان

نعم هذه العبارة صحيحة بصورة عامة، ولكن الصحيح أيضاً أنه تم بموافقة تركيا، التي يعتقد الكثيرون أنه تعيّن عليها دعم المعارضة السورية، ولكن مصلحة تركيا الأساسية كانت تشكيل منطقة عازلة على الحدود بينها وبين سورية لمنع الميليشيات الكردية من دخول الأراضي التركية، وتأمين منطقة خارج سيطرة الحكومة السورية، يمكن أن يعود اليها اللاجئون السوريون الموجودون في تركيا.

وعلى الرغم من أن أنقرة نفذت العديد من العمليات العسكرية ضد الأكراد السوريين، للحصول على موطئ قدم محدود لها في المنطقة، ولكنها تظل صغيرة وغير كافية لعودة اللاجئين السوريين. وأحد الحلول المطروحة هو إضافة جزء من إدلب إلى هذه المنطقة. وفي الواقع، وقبيل الأعمال العسكرية الأخيرة، كان الأمر يبدو وكأن تركيا وروسيا قد توصلتا إلى اتفاق في ما يتعلق بالحدود الجديدة لإدلب. ولكن الإنذار الذي أطلقته انقرة حول انسحاب القوات السورية بحلول نهاية فبراير ألقى بظلال الشك على مثل هذا الاتفاق.

وعلى خلفية الإنذار أعلنت واشنطن دعمها الجلي لتركيا. وخلال زيارة لأنقرة وصف الممثل الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، القوات السورية والروسية بانها تشكل تهديداً للجنود الأتراك. وتحاول واشنطن منذ زمن كسر التحالف التركي الروسي في سورية، والآن أصبحت مثل هذه الفرصة مواتية لها تماماً. والسؤال المطروح الآن ما إذا كانت موسكو قادرة مرة ثانية على تحويل الوضع في سورية لمصلحتها.

ماريانا بيلنكايا : خبيرة في الشؤون العربية وصحافية في دار كومرستانت للنشر»


- أرادت موسكو أن تظهر أن روسيا وتركيا تعانيان، على حد سواء، جراء التصعيد، لأن العمليات الإرهابية أدت ليس إلى مقتل نحو 100 جندي سوري والعديد من المدنيين خارج منطقة تخفيض التصعيد فقط، وإنما مقتل العديد من الخبراء العسكريين الروس والأتراك.

- إن انهيار «تفاهمات أستانا» من شأنه تعريض نظام تسوية الصراع في سورية للخطر، والذي أمضت روسيا زمناً طويلاً لبنائه. وأدى التعاون بين الدول الثلاث ذات الصلة، وهي إيران وتركيا وسورية، إلى التوصل الى تسويات «على الأرض».

تويتر