نتيجة تردد أوباما وخذلان حلفائه

الحرب السورية وضعت الغرب أمام أكبر فشل في العصر الحديث

صورة

كانت لحظة مفصلية بالنسبة للرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في 31 أغسطس 2013، عندما كان سيد البيت الأبيض يتمشى في حديقة الزهور، في الوقت الذي كان الأميركيون يفكرون بالحرب في الشرق الأوسط. ولكن القرار الذي كان ينوي أوباما اتخاذه كان سيشكل نقطة انعطاف في إدارته، ونقطة تحول في التوازن الاستراتيجي الدولي. لقد كانت هي اللحظة التي حولت الحرب الأهلية في سورية إلى أكبر فشل يحدث في عصرنا.

عجز جماعي

بالنسبة إلى ترامب، فإن الحرب الوحيدة المهمة هي الحرب ضد «الإرهاب الإسلامي»، التي ادعى أنه كسبها. ولسوء الطالع، فإن ادعاءه كان مجرد «أخبار كاذبة»، وبالطبع فإن الإرهاب تمركز في سورية، بعد قيام الائتلاف الغربي بتحرير الرقة والموصل، ولكن تنظيم «داعش» لم يندثر.

وبالنظر إلى أن إرهاب «داعش» لم ينته، بل إن التنظيم يحلم بجولة ثانية من الإرهاب، وهو الأمر الناجم عن العجز الجماعي للمجتمع الدولي في وقف الكارثة النازلة في سورية، فإن غياب صدقية القوانين الدولية، وتدهور صورة القيادة الأخلاقية للغرب، وحالة البؤس التي يعاني منها ملايين السوريين بلا نهاية، إضافة إلى الفوضى والحرب المتعددة الأطراف المنتشرة في سورية، كل هذا يعتبر أسباباً قوية لجعل الفشل الذي ارتكبه المجتمع الدولي في سورية هو الأسوأ والأضخم من نوعه في عصرنا.

وقبل هذا التاريخ بعام واحد، كان الرئيس أوباما قد تعهد بأنه إذا استخدم الرئيس السوري بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، فإنه يكون قد تجاوز الخط الأحمر، الأمر الذي سيجعله يذهب إلى محاربته، ولكن بشار الأسد تجاوز ذلك الخط، وضرب منطقة الغوطة الشرقية بغاز السارين، ما نجم عنه مقتل نحو 1000 شخص، منهم المئات من الأطفال.

وبينما كان العالم بانتظار إعلان الرئيس الأميركي القيام بضربات عسكرية ضد نظام دمشق، قال أوباما إنه لن يحارب الأسد، بل سيعمد أولاً إلى الحصول على تخويل من «الكونغرس» الأميركي. وكان قرار أوباما قد أثار دهشة أقرب المقربين من مستشاريه. ويبدو أن قراره جاء نتيجة تأثره بتصويت جرى في مجلس العموم البريطاني قبل يومين من اتخاذه لذلك القرار، حيث رفض فيه المجلس استخدام القوة ضد بشار الأسد في 29 أغسطس من عام 2013.

وكان أوباما قد أوقف حروب أميركا الخارجية، بعد الخطأ الذي ارتكبه سلفه في العراق عام 2003. ومن الناحية القانونية، فإن أوباما ليس بحاجة إلى موافقة «الكونغرس» لشن الحرب، ولكن تصويت مجلس العموم منحه ذريعة واهية جداً لعدم شن الحرب.

ونظراً للجدالات التي انفجرت إثر موقف أوباما، الذي كشف عن أن الكثير من الأميركيين لا يفضلون الانخراط في حرب جديدة في الشرق الأوسط، ومع ذلك ظهرت مفاجأة أخرى، إذ عرضت روسيا، حليفة الأسد التقليدية، تسليم النظام أسلحته الكيماوية مقابل عدم تعرضه للضربة الأميركية، الأمر الذي وافق عليه أوباما.

موقف سيئ

وفي حقيقة الأمر، كان الموقف الأميركي سيئاً، وفهمت كل من إيران وسورية وروسيا عدم احترام أوباما لتعهداته بأنه تنازل أميركا عن دورها، باعتبارها شرطي العالم، وشجع ذلك بوتين على إعادة نفوذ بلاده إلى الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنه لم يكن معروفاً ما هو تأثير تنفيذ ضربة عسكرية أميركية على سورية، إلا أن اتخاذ أوباما قراراً بالتنازل عن مسؤوليات أميركا في العالم يعتبر رسالة هدامة أخرى، مفادها أن الولايات المتحدة أقوى دولة في العالم وحلفاؤها أمثال بريطانيا، غير مستعدين للحرب لجعل سورية حرة وديمقراطية، كما أنهم غير مستعدين للحرب من أجل نشر الديمقراطية في دول أخرى.

وبالنظر إلى أنها قررت اتخاذ موقف سلبي من الحرب الدائرة في سورية، واقتصرت جهودها على عمليات محاربة الإرهاب، والدعوات الفارغة للسلام، وفشلها في محاربة جرائم الحرب، تكون الدول الغربية الديمقراطية قد قوضت وبصورة فعلية ميثاق الأمم المتحدة، ووكالات حقوق الإنسان، والقانون الدولي العالمي.

وعندما قررت الولايات المتحدة وبريطانيا التدخل بصورة مباشرة في العراق وسورية كجزء من الائتلاف الدولي عام 2015، كان ذلك لمحاربة التهديدات المباشرة لهما، التي شكلها تنظيم «داعش»، وليس لدعم القيم الإنسانية التي تناديان بها شكلياً.

كوارث استراتيجية

13

مليون شخص

طردوا من منازلهم

في سورية

ويعيشون حياة العوز.


عندما قررت الولايات المتحدة وبريطانيا التدخل

بصورة مباشرة في العراق وسورية، كجزء

من الائتلاف الدولي عام 2015، كان ذلك لمحاربة

التهديدات المباشرة لهما، التي شكلها

تنظيم «داعش»، وليس لدعم القيم الإنسانية

التي تناديان بها شكلياً.

باختصار، فإن القرارات التي اتخذت عام 2013 أدت إلى ارتكاب كوارث استراتيجية، لاتزال تداعياتها تؤثر في أيامنا هذه. ويبدو أن المؤشرات التي توحي بأن الحرب قد وصلت إلى نهايتها غير صحيحة، إذ إن الدلائل الموجودة على الأرض تقول غير ذلك. وطبقاً لتقرير نشرته الأمم المتحدة، فإن المعاناة التي وصل إليها الشعب السوري قد وصلت إلى حد غير مسبوق، حيث أن نقل المساعدات ممنوع عن ثلاثة مراكز سكانية مهمة في الدولة، كما أن هناك نحو 13 مليون شخص طردوا من منازلهم، ويعيشون حياة العوز. وهناك نحو نصف مليون شخص لقوا حتفهم منذ عام 2011، في حين أن القتل متواصل. وتطالب الأمم المتحدة بوقف فوري لإطلاق النار، وهو الأمر الذي رفضته روسيا. وفي الغوطة الشرقية التي استخدم غاز السارين على سكانها سابقاً، قتل نحو 200 مدني خلال الأسبوع الماضي، نتيجة الغارات الجوية الروسية والسورية.

عجز أممي

ويتزايد عجز الأمم المتحدة في مواجهة الكارثة التي حلت بالشعب السوري، منذ عام 2011، كما أن محادثات جنيف انهارت في ديسمبر الماضي، وهناك العديد من الخطط التي تهدف إلى خفض القتل، ولكها تفشل كلها، وتتضمن إيجاد مناطق حظر جوي أو ممرات إنسانية. ولم يكن الاقتراح الروسي بإيجاد مناطق خفض الصراع بأفضل حالاً، إذ إن الغوطة الشرقية، التي تعرضت للقصف الأسبوع الماضي، كانت من ضمن هذه المناطق.

وفي حقيقة الأمر، فإن الفشل في إنهاء الحرب الأهلية السورية نجمت عنه أضرار كثيرة للقوانين الدولية، التي صاغت القضايا الدولية منذ عام 1945، لقد أدت إلى تغيير التوازنات الدولية بصورة أساسية. ويعتبر مجلس الأمن الدولي، من الناحية النظرية الوصي والحكم النهائي لسلوك الدول الأعضاء، إلا أنه فقد صدقيته على نحو مريع، ويرجع ذلك من ناحية إلى استخدام روسيا حق النقض بصورة متكررة ضد قرارات تتعلق بسورية. ويعزو البعض عدم فعالية مجلس الأمن إلى «الدول الخمسة» دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي: الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وفرنسا، والتي تهيمن على المجلس بصورة شاملة.

ونتيجة لما سبق، قدمت المدعية العامة كارلا ديل بونتي، الخبيرة في جرائم الحرب، استقالتها نتيجة إحباطها الشديد في أغسطس الماضي من لجنة التحقيق في الأمم المتحدة. وقالت إن إعاقة نشاط مجلس الأمن من قبل روسيا سبب فشل تحقيق العدل. وأضافت «يرجع كل هذا الإحباط إلى عدم تحرك مجلس الأمن، وإذا نظر المرء إلى معظم التقارير التي نشرناها، فإنه يدرك أننا لم نحقق أي شيء، إنه أمر لا يصدق».

وبمعزل عن عدد الضحايا الكبير، فإن التدخل الروسي في سورية عام 2015 لمصلحة الأسد، شكل نجاحاً استراتيجياً لبوتين، وهزيمة منكرة للغرب. وكان تدخل بوتين نتيجة منطقية لتردد أوباما لمدة عامين، وأدى إلى استعادة روسيا لوجودها العسكري في قواعد على البحر المتوسط داخل سورية، كما أدى إلى استعادة موسكو لنفوذها باعتبارها لاعباً أساسياً في الشرق الأوسط، كما أنه انعكس بصورة سلبية للعلاقات الغربية مع لاعبين كبار في الشرق الأوسط، مثل تركيا، ومصر، وإيران. وكان التصور بأن الرئيس الأسد قد بدأ يفوز بالحرب قد جعل بعض الحكومات تغير مواقفها بصورة انتهازية، كما أن الحكومات الغربية لم تعد تنادي بالإطاحة بنظامه.

وأسهمت الحرب في تغيير حظوظ اثنين من الأطراف المتعادية، وهما إيران وإسرائيل. وكما هي الحال مع موسكو، قامت طهران بتوسيع نفوذها في المنطقة، حيث ربطت قواتها في سورية مع «حزب الله» في لبنان وحلفائها في الأراضي الفلسطينية.

استغلال إسرائيلي

من جانبها، استغلت حكومة اليمين الإسرائيلية المخاوف من تهديدات إيران التقدم عبر سورية للحصول على أكبر قدر ممكن من الدعم من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما أنها استطاعت تهميش القضية الفلسطينية، وروجت لوجهة نظرها القائلة بأن الاتفاقية النووية مع إيران كانت خطأ كبيراً وخطراً. وفي الوقت ذاته، فإن فراغ السلطة في سورية جعل الجيشين الإيراني والإسرائيلي قريبين من مواجهة خطرة، كما حدث منذ بضعة أيام، حيث أدى الاشتباك الجوي إلى سقوط طائرة ف 16 إسرائيلية. وأوضح هذا الحادث تزايد استخدام الدول الأجنبية للأراضي والمجال الجوي السوري، باعتبارها ميدان معركة بالوكالة.

عجز أوروبي

وأثبت الفشل الواقع في سورية حدوث كارثة أمنية وسياسية ودبلوماسية للاتحاد الأوروبي المنقسم على نفسه. وعلى الرغم من ادعائه بأنه لاعب دولي، إلا أنه اضطر إلى الظهور بمظهر العاجز، إذ أصبحت الدول الأعضاء في الاتحاد في حالة تمزق، نتيجة خلافها بشأن كيفية إدارة تدفق اللاجئين السوريين بصورة كبيرة في الفترة ما بين عامي «2013 و2016»، ولاتزال هذه القضية من دون حل حتى الآن.

وفي واقع الأمر، فإن ما حدث ليس خطأ السياسيين فحسب، إذ إن الضغوط التي كان العامة يمارسونها على الحكومات الغربية لمساعدة الشعب السوري تناقصت بصورة متسارعة، بعد الشعور بأن هذه بالحرب ستمتد إلى ما لا نهاية. وبدأ الناشطون ومجموعات الاحتجاج، مثل منظمة «أوقفوا الحرب»، التركيز على ما هو أسهل بالنسبة لها، مثل أهداف في الولايات المتحدة كانتقاد ترامب، الذي أظهر عدم اكتراثه بإيجاد حل في سورية.

تويتر