إذا عُرِف السبب!

إبراهيم استادي

كنت محظوظاً بمحاورة الشاعر المصري الكبير أحمد بخيت في مهرجان طيران الإمارات للآداب، وقد أضاء على نقطة مهمة جداً عن الشعر العربي بقيت أفكر بها كثيراً لأيام. لقد كان يؤكد أهمية الشعر في أمتنا، فنحن نملك إرثاً يمتد لأكثر من 16 قرناً من الزمن، فقد كان الشعر بالنسبة للعرب هو تاريخهم ومراسلاتهم وفنهم ومسرحهم وإعلامهم، ويجب التعاطي معه على هذا الأساس تحديداً في المدارس، وهنا فكرت، هل كنا كتلاميذ نفهم لماذا كنا ندرس القصائد أم كنا نتعامل معها فقط على أنها تحصيل حاصل في منهج اللغة العربية؟

من هذا السؤال يجب أن ينطلق تعليم الشعر في المناهج، فالطالب لكي يقدر قيمة درس ما عليه أن يعي تماماً أهميته ولماذا يدرسه، ألا نسمع الكثير من الطلبة يسألون: «ما الفائدة من الفيزياء أو الرياضيات إن كنت سأدرس تخصصاً بعيداً عنهما في المستقبل؟» في حين أن هذه العلوم تبني وتعزز المنطق في عقل الإنسان في طفولته، لكي يفكر بطريقة سوية عندما يكبر، وليس فقط لكي يصبح مهندساً أو محاسباً.

للأسف عندما كنت في المدرسة كنت أسمع تذمراً من الطلبة ومن أولياء الأمور من مسألة أننا كنا نتعلم مواد لا نحتاج إليها عندما نكبر، لكن من وجهة نظري فالمشكلة كانت تكمن في عدم فهمنا لأبعاد هذه المواد وكيف ساعدتنا على تشكل أدمغتنا التي كنا نعتمد عليها بشكل كبير أكثر من الحديدة الصغيرة التي نحملها في جيوبنا والتي تفكر عنا وتجلب لنا المعلومة من دون جهد ذهني، حتى إن ما نستقبله اليوم من معلومات لا تسكن في أدمغتنا فترة بسيطة حتى تتبخر سريعاً.

نحن أمة الكلمة بحق، لكن يجب ألا نستبعد أن تتبدد هذه الحقيقة إن لم نحافظ على قيمة الكلمة في ذهن أجيالنا القادمة، ولست في صدد ذكر أهمية القصيدة، لأنه يمكن للحديدة التي ذكرتها مسبقاً أن تجيب من يتساءل عن ذلك، وطالب اليوم لا يجدي معه التلقين إن لم نعلمه أولاً ما قيمة ودور الشعر والقصائد في الحياة، قبل أن نطلب منه أن يحفظ قصيدة ويكررها أمام زملائه في الصف، ولا أدري إن كان يحصل ذلك أيضاً الآن في حصص اللغة العربية كالسابق أم لا؟! وفي النهاية، حديثي مع أحمد بخيت جعلني أكتشف وسأعترف بأنني كسائر زملائي في الصف، تعاملنا مع القصيدة مثلها مثل جدول الضرب أو أي درس معقد آخر.

ibrahimustadi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر