جودة الحياة

فيصل محمد الشمري

تعرّف منظمة الصحة العالمية، جودة الحياة (QOL) بأنها «إدراك الفرد وضعه في الحياة في سياق الثقافة وأنظمة القيم التي يعيشون فيها، وما يتعلق بأهدافهم وتوقعاتهم ومعاييرهم واهتماماتهم».

ومن باب إدراك القيادة هذا المحور المهم، تم إطلاق «الاستراتيجية الوطنية لجودة الحياة 2031»، بهدف جعل دولة الإمارات رائدة عالمياً في مجال جودة الحياة، وتعزيز مكانتها لتكون الدولة الأسعد عالمياً. وترتكز الاستراتيجية على إطار وطني يشمل ثلاثة مستويات رئيسة (الأفراد والمجتمع والدولة)، وتتضمن 14 محوراً، وتسعة أهداف استراتيجية تشمل تعزيز نمط حياة الأفراد من خلال تشجيع تبني أسلوب الحياة الصحي، وتعزيز الصحة النفسية الجيدة، وتبني التفكير الإيجابي كقيمة أساسية، وبناء مهارات الحياة.

لكن الفهم العميق لمستهدفات هذه الاستراتيجية، وتحويلها لأنشطة وممارسات يومية، أمر معقد، وليس باليسير، ومتطلبات شراكات متعددة قد لا تكون موجودة بالشكل المطلوب، أو تتطلب عملاً مستمراً. بينما النشاط الفردي قد يكون النواة الأنجع والأسرع لتحقيق نتائج فورية.

ولنا في قصة المحارب اليوناني القديم، ستاماثيس مورايتس (Stamatis Moraitis)، عظة وعبرة، الذي نشرت عنه العديد من المقالات والمقاطع، لتبين أن الإنسان عمره لا ينتهي إلا عند وقوع الموت فعلياً، لا بتقدير الأطباء أو بقناعات غير جازمة، حتى لو كان مرضاً خبيثاً بمراحل متقدمة، لدرجة أن البعض نشر قصة المذكور وعنونها بأنه تقريباً نسي أن يموت.

وتعود قصته لعام 1976، حين تم تشخيص إصابة المحارب القديم بسرطان الرئة، بشكل مدمر ومراحل متأخرة، وقدر الأطباء أنه لن يعيش أكثر من 6-9 أشهر، إذا بدأ العلاج فوراً.

قرر المحارب القديم، عدم متابعة العلاج، ولإدراكه أنه لا يستطيع تحمل تكاليف الجنازة في الولايات المتحدة، حيث عاش مهاجراً، والحنين لوطنه الأم، قرر العودة إلى موطنه بجزيرة (إيكاريا) في اليونان.

وكانت خطته أن يعيش حياة بسيطة، وينتظر الموت.

لكن الأسابيع تحولت إلى أشهر، وبدأ يلاحظ شيئاً غريباً، فهو يشعر بصحة أفضل وقوة، فنظراً لكون الجزيرة جبلية، كان الناس يسيرون باستمرار، صعوداً وهبوطاً، ويمارسون التمارين الرياضية يومياً. وعاش المحارب المتقاعد مدة ثلاثة عقود أخرى، عكس توقعات الأطباء الذين، لربما توفوا قبله، حيث أرجع حياته الطويلة إلى هواء الجزيرة النظيف، والأطعمة والأعشاب الطازجة المزروعة، والأغذية المنتجة محلياً. ومن خلال تمارين يومية وبيئة خالية من التوتر تقريباً، تغلب على الصعاب، وقهر المرض الخبيث.

إن هذه الجزيرة تعرف بأنها المكان الذي ينسى الناس فيه الموت، والمقصود هنا ليس الخلود، وإنما الصحة، وجودة الحياة، ما يعكس نمط الحياة الصحي والعمر الطويل. وتعد الجزيرة واحدة من خمس مناطق زرقاء في العالم، يعيش فيها الناس حياة أطول إحصائياً، هي: لاما ليندا (كاليفورنيا)، نيكويا (كوستاريكا)، سردينيا (إيطاليا)، إيكاريا (اليونان)، أوكيناوا (اليابان).

هل يستحق ذلك الدراسة؟ بكل تأكيد لكن كأفراد علينا أن نتعلم من قصة هذا المحارب اليوناني كيفية تحويل نمط الحياة، ورغم كونه أقل نفقة، لكنه أكثر صحة وأطول عمراً، فتكاليف العلاج اليوم قد تكون متوافرة، لكن الصحة لا تقدر بثمن.

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر