المكيف Air Condition (1)

فيصل محمد الشمري

مع الأجواء الصيفية وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة، يتذكر العديد فضل التكييف، وينسب الكثير فضل اختراع المكيف لـWillis Haviland Carrier الذي صمم نظام تكييف هواء حديثاً في الـ17 من يوليو 1902، حيث أطلق صناعة حسّنت جودة الحياة.

لكن التاريخ تضمّن جهوداً أخرى تستحق الذكر، فـ«شرور ارتفاع درجات الحرارة»، وحلم التحكم فيها ظهر قبل ذلك بكثير، واستُخدم الظل لتبريد الماء والطعام، بل ساعد في تخفيض درجة حرارة الإنسان. وفي عام 400 قبل الميلاد، أنشأ الفرس القدماء أول ثلاجة في العالم، أو ما يعرف بـ«Yakhchal» الـ«يخشال» التي تُترجم بـ«حفرة الثلج»، وهي - إلى حد كبير - بدايات اختراع الثلاجة الحديثة ببناء شاهق ومكلف.

أما تبريد الطعام والماء من دون إنشاءات ضخمة وفي بيئتنا الصحراوية، فتم قديماً عبر وضع الماء في القربة (قطعة جلدية أو وعاء مصنوع من جلد الماعز يتم دبغه وتنظيفه وخياطته)، وتركها ليصل إليها تيار الهواء للحفاظ على برودتها. ثم تم استخدام «الجرة» أو «الزير» في حفظ الماء، مع ظهور صناعة الفخار، أما السمن والحليب فكانا يُحفظان في وعاء جلدي شبيه بالقربة يطلق عليه اسم «الشجوة».

و«البرجيل» أو ما يعرف أيضاً باسم «ملقط الهواء/مسرب الرياح»، بدأ استخدامه في الإمارات كخيار معماري عملي للتحكم في الحرارة وتخفيضها صيفاً، بشكل بارز مع الهجرة العكسية للتجار من «لنجا» عام 1930، فجاء الصناع والتجار واستقر معظمهم في منطقة الفهيدي في دبي (التي لاتزال تحتوي على بيوت أثرية مزودة بالبراجيل).

وأتى المثال الحديث للتبريد والتحكم في الحرارة، بسبب اقتراح الطبيب والمخترع الدكتور جون جوري من فلوريدا، تبريد المدن في أربعينات القرن الـ19، إذ اعتقد أنه المفتاح لتجنب أمراض الملاريا وجعل المرضى أكثر راحة، لكن نظامه لتبريد غرف المستشفيات تطلب شحن الثلج إلى فلوريدا من البحيرات والجداول المتجمدة في شمال الولايات المتحدة، وهو تحدٍ لوجستي مكلف، فبدأ تجربة مفهوم التبريد الاصطناعي، وصمم آلة لصنع الجليد باستخدام ضاغط، وحصل على براءة اختراع عام 1851. ولم ينجح في جلب تقنيته الحاصلة على براءة اختراع إلى السوق، لكنه وضع أساس تكييف الهواء والتبريد الحديث (ويرجع ذلك أساساً إلى وفاة الداعم المالي الرئيس له، وموضوع التمويل واستدامته لتمويل الابتكار وريادة الأعمال مبحث مركّب آخر سنتطرق له مستقبلاً).

ظلت فكرة التبريد الصناعي راكدة لسنوات، لتمر الأعوام ويتولى المهندس ويليس كاريير عام 1902، حل معضلة الرطوبة التي تسببت في تجعّد صفحات المجلات في شركة Sackett-Wilhelms للطباعة الحجرية والنشر في بروكلين.

وعبر سلسلة من التجارب، صمم نظاماً يتحكم في الرطوبة باستخدام ملفات التبريد، وحصل على براءة اختراع لـ«جهاز معالجة الهواء»، إما لترطيب الهواء بتسخين الماء، أو إزالة الرطوبة بتبريده. ولم يمض وقت طويل ليدرك هذا المهندس العبقري أن التحكم في الرطوبة وتكييف الهواء، سيفيد العديد من الصناعات الأخرى لينفصل في النهاية عن بوفالو فورج، ويؤسس شركة «كاريير» الهندسية مع ستة مهندسين آخرين.

استخدم المنظمون لمعرض «سانت لويس» العالمي، التبريد الميكانيكي لتبريد مبنى ولاية ميسوري عام 1904، ليكون أول مبنى عمومي مبرد بتقنيات حديثة، فتم استخدام 35 ألف قدم مكعبة من الهواء في الدقيقة لتبريد القاعة التي تتسع لـ1000 مقعد، والقاعة المستديرة، وغرف أخرى داخل المبنى. وهي المرة الأولى التي يظهر فيها للملأ مفهوم التبريد، وتلاه اختراق كبير في استخدام تقنية التبريد في عشرينات القرن الماضي، عندما توافد الجمهور على دور السينما لمشاهدة نجوم هوليوود على الشاشة الفضية.

وفي مايو 1922 طرح نوع محدث يستخدم مبرد طرد مركزياً، ويحتوي على أجزاء متحركة ليعزز التحديث الموثوقية، ويخفض كلفة مكيفات الهواء على نطاق واسع، ما أدى إلى توسيع نطاق استخدامها بشكل كبير في أميركا.

هل نكتفي بالدعاء لكل من أسهم في تخليصنا ظرفياً ولو بشكل مؤقت من «شرور ارتفاع درجات الحرارة؟» أم يوجد ما يعزز جودة حياتنا واستدامة مواردنا، ويقلص انبعاثاتنا ويخفض استهلاكنا، ويسهم في تحول طاقتنا.

للحديث بقية..

هل نكتفي بالدعاء لكل من أسهم في تخليصنا ظرفياً ولو بشكل مؤقت من «شرور ارتفاع درجات الحرارة؟»، أم يوجد ما يعزز جودة حياتنا واستدامة مواردنا.

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر