مسافات الأمان

أمل المنشاوي

حين نمد لهم يد العون بحب وودّ، فيبادروننا بالأذى والحقد، لابد من مساحة ومسافة أمان نحتفظ فيها باحترامنا لذواتنا، وخصوصياتنا وسلام نفوسنا.

حين نأتمنهم فيخونون بلا رادع ولا ضمير، ونعاتبهم فيتمادون، حين لا نجدهم وقت الشدة والحاجة، لابد من مسافة بينا وبينهم نعيدهم فيها لمربعهم الأول، ونبعدهم عن حياتنا.

حين يصبح الأدب والتسامح معهم، والتغافل عن سوء أفعالهم، ضعفاً في نظرهم، لابد من الابتعاد عنهم وترك مسافة كافية تكشف صغر حجمهم وأصلهم.

حين نفتح لهم أبوابنا فيبتعدون بحثاً عن النوافذ لكسرها، حين يستحلون ما لا يحق لهم، ويتجرؤون رغم وضاعة أفعالهم، لابد من مسافة أمان تحمينا من سلوكاتهم.

كثير من البشر في حياتنا نعمة وود وحب خالص وصلة رحم وصداقة وجيرة طيبة.. والبعض، للأسف، أقنعة مزيفة تخفي خلفها تلون الوجوه وفساد السريرة، والحقد الدفين على غيرهم.

أولئك الذين تنتشي نفوسهم بأذية غيرهم، وترتاح قلوبهم بافتعال المشكلات ونشر الفرقة والتخبيب بين البشر.

أولئك الذين حرمتهم الحياة نعمة الحب والتعايش في سلام مع محيطهم القريب والبعيد، فسكن الشر بيوتهم واستوطن نفوسهم، وصاحبهم في الحل والترحال، وبات عنواناً لهم حتى تجنبهم الناس تجنباً لأذاهم.

أولئك الفئة القليلة من البشر لا تجدي معها محاولات إصلاح ذات البين، أو تصفية الأجواء أو مبادرات الصلح، ولا يفلح معها منحها الفرصة تلو الأخرى، أو طيّ صفحات تجاوزاتها أو مقابلة إساءاتها المتكررة بالإحسان لها.

أولئك يحتاجون التجاهل حد النسيان، وإخراجهم من حياتنا وعزلهم وتركهم للأيام تحكم دوائرها القاسية عليهم وتطوي صفحاتهم بالنهايات المؤلمة.

لم نُخلق في هذه الحياة بحثاً عن إرضاء أحد أو الاستمرار في علاقات يشوبها التوتر والحقد والحسد، ومن أكثر الأشياء عبثية محاولات إصلاح العلاقات المكسورة والمشوّهة وغير السوية.

نعم تجبرنا الظروف أحياناً على التعامل مع مثل هذه النماذج، لصلة رحم أو جيرة أو زمالة عمل، لكن بوسعنا أن نقلل تواصلنا للحد الأدنى الذي لا يصل لقطيعة رحم، وفي الوقت نفسه نحفظ هدوء أنفسنا، ونصون صحتنا.

الحياة قصيرة ومملوءة بالخير والأسوياء ومن يبادلونا الحب والود ويتمنون لنا السعادة في كل وقت، هؤلاء هم الجديرون باهتمامنا وسؤالنا، أما أولئك الذين يدمرون بالكره سلامنا وهدوءنا، ويسعون لامتصاص طاقاتنا، فيجب تركهم لأنفسهم والاحتفاظ بمسافات أمان تمتد ما امتدت حياتهم وحياتنا.

amalalmenshawi@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر