ماذا يحدث عندما يكتب الذكاء الاصطناعي مسرحية؟

د. كمال عبدالملك

الفنون جنون، كما يقول بعض أصدقائي. مشهدان في حياتي قد يصلحان للتعقيب على هذا القول.

المشهد الأول: عندما كنت طالب دكتوراه في جامعة ماكجيل في مونتريال، شاهدت ألواناً من الفنون أدهشتني، منها مقطوعة موسيقية كانت تحمل هذا الاسم الغريب: «closed-piano concerto» (كونشرتو البيانو المغلق). صعد رجل على المسرح وجلس على كرسي البيانو وأغلق غطاءه، وأخذ ينقر على خشبة الغطاء، ثم نزل وسط التصفيق الحاد من الجمهور. وفي متحف مونتريال للفنون وقفت محتاراً أمام لوحة زيتية داكنة السواد، مع خط قصير باللون الأبيض في منتصف اللوحة. وقتذاك كنت الوافد من ثقافة عربية تقدم - بفخر - الفن المعقول، ووحدة الوزن والقافية في الشعر العمودي، والمعرفة المكتسبة من الدروس والعبر في السرد والمرويات.

المشهد الثاني حدث منذ أسابيع في مدينة كمبردج الأمريكية، حيث شاهد الجمهور عرضاً عنوانه: «مسرحية التفرد» خلال «مهرجان الفنون أولاً» الذي تنظمه جامعة هارفارد. تتناول المسرحية الجديدة، العلاقة بين التكنولوجيا والإنسانية والمسرح. ما لم يتوقعه المشاهدون، هو أن المسرحية من بنات أفكار الذكاء الاصطناعي، فماذا يحدث عندما يكتب الذكاء الاصطناعي مسرحية؟

يبدو التفرد هنا اسماً على مسمى، فالمسرحية كتبها مسرحي شاب اسمه جاي ستول Jay Stull يدرِّس في جامعة هارفارد، كتبها ليس بالاشتراك مع آدمي مثله، ولكن مع سيدة هي عبارة عن وحدة لوغاريتمات ذكاء اصطناعي اسمها دينيس Denise. أما الفرقة المسرحية فكانت مكونة من دينيس عينها، بالاشتراك مع طلاب الجامعة، بإشراف معيدين من قسم المسرح والرقص والإعلام.

وتطرح المسرحية أسئلة عدة، منها ما إذا كان الجمهور البشري سيكون قادراً على التفاعل مع عمل درامي ابتدعه الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى أسئلة أكبر مثل: ما الذي يجعل الفن «جيداً؟»، وما الذي يجعل الفن «إنسانياً؟» ومن يمكنه إصدار هذه الأحكام؟

على الرغم من أن الموضوع قد يبدو بائساً إلى حد ما، فإن المبدعين يقولون إن «مسرحية التفرد» هي - من نواح كثيرة - كوميديا عن غرف التدريب (البروفة)، والشخصيات وديناميكيات العمل معاً في المشروعات الجماعية. وتتحدى المسرحية المشاهدين بهذا السؤال الوجودي: من نحن البشر عندما نرى أنفسنا في مرآة الذكاء الاصطناعي الذي اخترعناه؟

كتب ستول المسرحية عام 2019، عندما كانت البرامج التي تتصدر عناوين الصحف اليوم، مثل ChatGPT، لا تزال تبدو وكأنها جزء من المستقبل البعيد. كان ستول يكتب بعض الأسطر في المشهد وتبدأ دينيس في الرد عليه بما يناسب مقتضى الحال (كتعريف البلاغة حسب ابن خلدون)، ولا تتردد دينيس، سليطة اللوغاريتمات، في «بهدلة» الشخصيات الأخرى، مستعملة المبتذل من الكلمات والبذيء من التعبيرات.

قال ستول في حديث مع مجلة «هارفارد غازيت»، إنه يريد استشراف مآلات وجود الذكاء الاصطناعي في مسرحية، لأن المسرح هو «أكثر الفنون إنسانية». وأضاف: «إن الأداة الأساسية في المسرح هي الممثل المتجسد أمامنا، لذلك كنت مهتماً جداً بما يعنيه أن يكون لدينا كاتب مسرحي ليس بشرياً، يبدع من خلال وسيط آدمي ماثل أمامنا».

تأخذ المسرحية اسمها من مصطلح تقني يشير إلى لحظة افتراضية، عندما يصبح الذكاء الاصطناعي متقدماً لدرجة أنه يغيّر البشرية بشكل دائم، وهو تطوّر يحذِّر منه المؤلف وعدد من المعاصرين البارزين، مثل ستيفن هوكينج، وبيل جيتس، وإيلون ماسك.. تحذيرات رهيبة حول عواقب التفرد بواسطة ذكاء اصطناعي عام قد يفكّك روابط السيطرة البشرية.

تتحدى المسرحية المشاهدين بهذا السؤال الوجودي: من نحن البشر عندما نرى أنفسنا في مرآة الذكاء الاصطناعي الذي اخترعناه؟

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر