مناهج على المقاس

لاشك في أن عملية تصميم المناهج التقليدية تنطوي على جهود مضنية، وأبحاث مكثفة، وتحليلات لشتى أنواع المعلومات والبيانات، كما أنها لا تسلم من الأخطاء والهفوات؛ وللإنصاف أقول إنها عملية شديدة الصعوبة والتعقيد، لأنها تهدف إلى إرساء قواعد معرفية ثابتة لفئة عمرية كاملة، بغض النظر عن الاختلاف السلوكي الكامن بين أفرادها، أو في جوانبهم العلمية والأدبية، وحتى أيضاً ما يتعلق بفهمهم الأنماط والقيم المجتمعية، لكن لحسن الحظ هناك دائماً صديقنا الذكاء الاصطناعي حلّال المشكلات ومُطفئ التحديات، وهو الذي نجح إلى حد كبير في إحداث تغييرات ثورية في مختلف القطاعات، وقطعاً لن يُعجزه قطاع العلم والتعليم، بل يمكن القول إن التعليم هو أحد المجالات التي سيُحدث فيها الذكاء الاصطناعي تغييرات عميقة، من خلال تصميم مناهج مخصصة للطلاب تسد الفجوات المعرفية على المستويين الجماعي والفردي، وتكون على قدر المسؤولية والمأمولات.

نعم لا تتفاجؤوا كثيراً، فالذكاء الاصطناعي قادر على تصميم مناهج مخصصة لكل طالب على حدة، وبناءً على مستويات أدائه وأنماط تعلمه الفردية، فخلال عمليات الجمع والتحليل المستمرة لبيانات الطالب، يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحديد المجالات التي يحتاج فيها إلى مزيد من الدعم والمساندة، وبالتالي اتباع منهج أكثر تخصصاً يلبي احتياجات الطالب، ويقدم له أسلوباً فريداً من التعلم يساير اهتماماته ويماشي وتيرته تباطأت أم تسارعت. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يسبر نواحي أخرى عند الطالب، مثل خلفيته ومناحي اهتماماته، ومن ثم يعمل على صناعة منهج أكثر جاذبية، يُحسّن نتائج التعلم ويقدم فرصة استثنائية للطالب يصل فيها إلى إمكاناته الكاملة، وفي الوقت نفسه سيوفر الذكاء الاصطناعي الكثير من الوقت والجهد بالنسبة للمعلمين، وسيسمح لهم بالتركيز على جوانب أخرى من العملية التربوية، مثل مشاركة الطلاب في كل كبيرة وصغيرة، وأيضاً إرشادهم ومساعدتهم على حل مشكلاتهم.

فعلى سبيل المثال، ومن أجل تصميم منهج مخصص لأحد الطلاب، يقوم الذكاء الاصطناعي أولاً بتقييم مستويات المعرفة والمهارة الحالية للطالب، عبر مجموعة من الاختبارات الأولية التي تحدد مكامن الخلل والقوة لديه، ومن ثم يقوم بتحليل البيانات الخاصة بتفضيلات التعلم، مثل أسلوب التعلم المفضل لديه، وأنواع المحتوى التي يجدها أكثر متعة وجاذبية، وبناءً على ذلك يتم تحديد تجارب التعلم ومصادره المتنوعة، وهي هنا الكتب المدرسية أو مقاطع الفيديو أو الإنترنت أو النشاط الميداني وغيرها كثير؛ بعد ذلك يقوم الذكاء الاصطناعي وباستمرار بمراقبة أداء الطالب أثناء تقدمه في المنهج، ويعدّل على الفور درجة الصعوبة أو الوتيرة حسب الحاجة والظروف، فإذا كان الطالب يعاني فهم قضية أو مفهوم معين، يقوم الذكاء الاصطناعي بتوفير موارد إضافية تتعلق بالنقطة المحددة التي استوقفت الطالب، واستعصى عليه فهمها، وبالمقابل إذا كان الطالب مُجداً ومتفوقاً، فسيقوم الذكاء الاصطناعي بتعديل مستوى الصعوبة ورفع درجة التحدي لتتناسب مع شغف الطالب وقدراته الذهنية.

لكن كما هي الحال دوماً مع الذكاء الاصطناعي، تبقى هناك التحديات المرتبطة بضمان خصوصية بيانات الطلاب ودرجة أمانها، إضافة إلى خوارزميات الذكاء الاصطناعي نفسها التي يجب أن تكون مسؤولة ومتنوعة وخالية من التحيز، وأن تمثل أيضاً جميع فئات الطلاب؛ وهذه كلها تحديات يمكن حلها عبر صياغة الأطر الأخلاقية والإجرائية والتنظيمية الصارمة التي ستحكم عمل الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم.

أقول ختاماً إن الثورة التعليمية قادمة، والعنصر البشري فيها سيبقى مستمراً ومؤازراً، لأنه حتى تنجح هذه الثورة لابد أن تحقق التوازن ما بين الذكاء الاصطناعي المسؤول عن تصميم المناهج وأتمتتها، والمعلمين المشرفين على التجربة التعليمية وصلاح مخرجاتها.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة