الحوار الوطني حول التغير المناخي (3)

فيصل محمد الشمري

إن تعدد اللقاءات التي تنظمها وزارة التغير المناخي والبيئة، مؤشر مهم وحيوي لنضج مؤسسي يعكس الإدراك بأن المسؤولية مشتركة، وأن التعاون بوابة النجاح، فالنجاح يتطلب تضافر الجميع.

ويأتي إطلاق «الحوار الوطني للأمن الغذائي» ضمن الفعاليات المستمرة، التي تضمنت في مارس هذا العام استعراض مبادرة «استدامة المزارع الوطنية»، بهدف تعزيز استدامة المزارع الوطنية، وتعظيم مساهمتها في تحقيق الأمن الغذائي، فيما جاء إطلاق هذه المبادرة المشتركة بين وزارة التغير المناخي والبيئة، ومزارع الإنتاج المحلي والمنشآت الوطنية، والشركات الزراعية، والجهات الحكومية وشبه الحكومية، ومؤسسات القطاع الخاص، لزيادة الإنتاج المحلي، ورفع نسب الاكتفاء الذاتي من أصناف غذائية وسلع استراتيجية، مع تحسين دخل المزارع دون التأثير على تجارة الغذاء، أو رفع الكلفة على المستهلك، كجهد طيب ومهم يستحق الدعم والتشجيع.

كما أن مناقشة التحديات والموضوعات التي تسهم في تعزيز الأمن الغذائي، عبر إدارة حوار ونقاش بناء يمثل «طاولة مستديرة» بين مختلف الجهات الفاعلة والشركاء في الدولة من القطاعين الحكومي والخاص، بمن فيهم مزارعو المزارع الوطنية والقطاع الخاص، وممثلو وسائل الإعلام، سيسهم في نقاش وطرح شفاف للتحديات ومصاعب الاستثمار الزراعي.

أتت مبادرة «تعزيز استدامة المزارع الوطنية» بهدف طموح، يتمثل بجعل مزارع المواطنين مورداً رئيساً للعديد من المحصولات الزراعية والمنتجات الغذائية لكبرى شركات توريد الأغذية العاملة في دولة الإمارات، فملف الأمن الغذائي أحد الملفات المهمة والحيوية في دولة الإمارات والعالم، مع المزيد من الضغوط والتحديات المركبة، تمثلت بأزمتين عالمياً خلال أقل من ثلاثة أعوام، أثارتا الكثير من المخاوف على حالة الأمن الغذائي العالمي، تمثلت الأولى في اضطراب سلاسل الغذاء العالمية نتيجة تفشي جائحة «كوفيد-19» (تطرقنا لها سابقاً بمقالات منها مقال «البصل الذهبي»)، والثانية تمثلت بالنزاعات العالمية والحروب بين الدول بشكل أخل بنقل المواد الغذائية وإنتاجها، بالتزامن مع ما يمثله تغير المناخ، كونه التحدي الأبرز للتنمية عموماً، وللأمن الغذائي العالمي خصوصاً، الأمر الذي يفرض تسريع وتيرة الجهود الوطنية لمعالجة التحديات، ورفع نسب الاعتماد على الإنتاج الوطني.

ورغم مساعي تطوير قطاع الإنتاج الغذائي المحلي القائم على التقنية، وتعزيز مساهمته في تضييق الفجوة الغذائية للدولة، ومكافحة ظاهرة هدر الطعام عبر مبادرة «نعمة»، يأتي إطلاق مبادرة «تعزيز استدامة المزارع الوطنية» بهدف مركب: «تعزيز الأمن الغذائي بزيادة إنتاج المزارع المحلية، خصوصاً المزارع الحديثة المستدامة، وتسويق هذا الإنتاج بشكل فعال».

إن الحس الوطني يدفعنا للطموح بأن نرى مشاركة طوعية أكبر من الشركاء كافة، لتعكس الالتزام المؤسسي نحو الاستفادة القصوى من استضافتنا لمؤتمر الأطراف «COP28» في 30 نوفمبر المقبل، وتحقيق تطور نوعي في منظومات العمل القائمة، بمسرعات حكومية لمسارات العمل لتحقيق مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي 2051، باستغلال ممكنات متعددة مركبة، منها «الشراكات والحلول»، لإحداث نقلة نوعية زراعية تقنية غذائية وحتى استهلاكية، لتعزيز الأمن الغذائي الوطني المستدام.

إن وضع مؤشرات مقسمة لثلاث مراحل لتزويد الجهات الحكومية وشبه الحكومية بالمنتجات الزراعية الغذائية الوطنية، لتشمل رفع نسبة المشتريات 50% في 2023، ثم 70% في 2025، ثم 100% في 2030، خطة طموحة تتطلب حوكمة فعالة وصلاحيات ومساءلة، يجب أن تسهم بها برامج المشتريات المحلية والاتحادية، وتتضمن نشر تقارير المشتريات ونسب الشراء الإجمالية والمخصص منها للمشتريات المحلية، كما يمكن أن تتضمن تحقيق نقلة نوعية لمفهوم برنامج القيمة الوطنية المضافة The National In-Country Value Program (ICV)، وليتحول من مجرد مبادرة لتمكين الارتقاء بأداء القطاع الصناعي وضمان استدامته فقط من خلال زيادة القيمة المضافة للصناعات المحلية، إلى هدف أكبر وأسمى، يتضمن المنتجات الوطنية كافة، وهو ما يجب أن يتحقق، وقد يتطلب تحويله إلى برنامج وطني مستقل مماثل لـ«نافس» بملف التوطين، فلربما يكون ذلك هو الخيار الأمثل مرحلياً.

كذلك، فإن تخزين وتبريد وتصنيع ونقل المنتجات الزراعية والمواد الغذائية تحد قائم، لا تقتصر معالجته على شركات توريد الغذاء، فاستدامة المزارع الوطنية ورفع كفاءة التخزين والنقل والحفظ لتعزيز استدامة الغذاء وتقليل الهدر واجب مشترك، يدعمه الابتكار في قطاع الزراعة، ويعززه تسويق المنتجات الزراعية المحلية خارج موسمها، وبالتالي يعزز ربحيتها، وهو جزء من تحديات تحول الطاقة والبنى التحتية للمخازن المبردة، وكذلك الصناعات التحويلية الغذائية.

كما أن القطاع الزراعي يتطلب أيادي عاملة عدة، وتنافسيته تحتم فصله عن هيكلة الرسوم الحالية للقطاعات الأخرى، بل وربما دراسة اعتماد اعتبار النشاط الزراعي الغذائي جزءاً من قطاع العمالة المساعدة، لبعده المهم في جوانب الأمن الغذائي الوطني وأهميته الاستراتيجية.

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر