«نلتقي»

كيف تصطاد حلمك؟

د. بروين حبيب

من سينما كانت حائطاً مطليّاً باللون الأبيض، يقابلها متفرّجون على صناديق تخزين بلاستيكية، وبأيديهم علب بيبسي معدنية يشربونها ويقذفون بها الحائط حين لا يعجبهم الفيلم، إلى قاعات (VIP) مكيّفة بمقاعد جلدية فخمة وشاشة عملاقة خماسية الأبعاد ونظام صوتي بأحدث التقنيات، وفوق هذا موظفون يطوفون على المتفرجين بما لذ وطاب. ليشاهد المتفرج أحدث أفلام السينما العالمية. وما كانت هذه النقلة لتحدث لولا جهود كثيرين منهم شخص بدأت رحلته بكارثة شخصية، تحوّلت نعمة عليه وعلى البلد الذي ارتبط قدره به.

كان أحمد غولشِن يحلم بالسفر إلى أميركا بعد تجربة في نشر الكتب وتوزيعها في إيران بدأها صغيراً، وحين ضاقت به سبل العيش ركب قارباً إلى الضفّة المقابلة في رأس الخيمة مُلاحِقاً «الحلم الأميركي» ولكن سُرق منه ماله وجواز سفره أيضاً، ولأنّه من الصنف الذي يحوّل النقمة إلى نعمة قال: «كان هذا أفضل شيء حدث لي».

حدث ذلك قبل ستين سنة بتمامها (1963)، فعمل الشاب المغامر - الذي لا يملك شيئاً سوى طموحه وشغفه الشديد بالسينما - في صناعة لافتات من الخشب للمحال، وكان يتقاسم مع رفيق له غرفة وضيعة في ميدان ناصر (بني ياس حالياً) بدبي. ولكنّه تنبه بحسه التجاري وحبّه للأفلام إلى هذا الجانب الترفيهي الغائب عن هذا البلد الصحراوي الذي حوّله قادته بعد عقود قليلة إلى قبلة العالم الاقتصادية والاستثمارية، فـ«هنا كلّ شيء ممكن» كما وصف أحمد غولشِن دبي. وفي رحلة زمنية عجيبة افتتح صالات سينمائية، وجلب أفلاماً من الشرق والغرب، وكما ينمو كلّ شيء بالمثابرة تحوّل الولد - الذي كان أبوه رجل دين يحرّم السينما وترك عائلة غولشِن وهو في الخامسة من عمره دون معيل - إلى رجل أعمال ناجح بنى أكبر وأنجح إمبراطورية سينمائية في الشرق الأوسط، بعائدات أفلام تدرّ عليه الملايين.

وكلّ هذا النجاح ما كان ليحدث لولا أنّه كان مدعوماً من قيادة رؤيوية متمثّلة في حاكم دبي المغفور له الشيخ راشد بن سعيد وابنه من بعد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، فقد فتح الشيخ راشد الطريق أمام أحمد غولشِن في بيئة محافظة كان فيها من يرى الفنّ حراماً والسينما رجساً من عمل الشيطان. ولكن حين تجتمع رؤية الحاكم مع مثابرة المستثمر تكون النتيجة بلداً اسمه «دبي».

ويجدر التنويه بأنّني ما كنت لأتعرّف على هذا الرّيادي لولا برنامج «أوّل مرة» للإعلامي الذكي إبراهيم استادي فقد أضاء على تجربته، ليضاف اسم أحمد غولشِن بالبنط العريض كما في أفيشات السينما إلى قائمة بُناة مجد دبي.

• تحوّل إلى رجل أعمال ناجح بنى أكبر وأنجح إمبراطورية سينمائية في الشرق الأوسط، بعائدات أفلام تدرّ عليه الملايين.

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر