انبعاثات صفرية (6)

فيصل محمد الشمري

يعد النقل من أكبر المصادر لانبعاث غازات الاحتباس الحراري، حيث تمثل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من النقل في أميركا 27% من إجمالي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بينما يمثل انبعاث غاز (CO2) ما يقرب من 97% من جميع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من النقل. ويعد الطيران أكثر وسائل النقل إنتاجاً للانبعاثات، فالوقود الأحفوري حالياً هو المصدر الرئيس للانبعاثات في النقل، فأكثر من 90% من الوقود المستخدم في النقل يعتمد على البترول، حيث تنبعث غازات الاحتباس الحراري من النقل بشكل أساسي من حرق الوقود الأحفوري لسياراتنا وشاحناتنا وسفننا وقطاراتنا وطائراتنا. ويشكل السفر على الطرق 75% من انبعاثات النقل، ويأتي معظم هذا من سيارات الركاب لتسبب انبعاثات كربونية أعلى وتسهم بنسبة 45.1%.

يطرح البعض خيار استبدال السفر الجوي ببدائل صديقة للبيئة، وواقعياً هذا أمر صعب. وهناك جهود وطنية في إجراء تجارب على إنتاج وقود للطائرات من النباتات الصحراوية، ومن أبرزها المبادرة المتميزة بين كل من وزارة التغير المناخي والبيئة، واتحاد أبحاث الطاقة الحيوية المستدامة، وهو اتحاد أبحاث غير ربحي يتبع لمعهد مصدر، بهدف إطلاق أول مشروع تجريبي في العالم لأبحاث الطاقة الحيوية المستدامة باستخدام النباتات والأراضي الصحراوية المروية بمياه البحر لإنتاج الغذاء ووقود الطائرات.

وبدأ هذا المشروع بمدينة مصدر، المدينة منخفضة الكربون والنفايات وإحدى أكثر مدن العالم استدامة. وجاء إعلان اتحاد أبحاث الطاقة الحيوية المستدامة في يناير 2019 عن انطلاق أول رحلة طيران تجارية في العالم تشغّل باستخدام وقود مستدام، أُنتج محلياً في الدولة، بطائرة لـ«الاتحاد للطيران»، انطلقت من أبوظبي إلى أمستردام، لتمثل إنجازاً في مسيرة تطوير وقود طائرات بديل ونظيف بيئياً بهدف تقليل الانبعاثات الكربونية.

إن نزع الكربون من الصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة تحدٍ سيسهم بترك تأثيرات إيجابية متتالية على صعيد الأمن الغذائي والعمل المناخي. ووقود الطائرات الصديق للبيئة حل مبتكر ومستدام لتحقيق انخفاض كبير في الانبعاثات الضارة. ويحق لنا أن نفخر بأن تكون دولة الإمارات من بين الدول الرائدة في هذا المجال، فوقود الطائرات المستدام فرصة لمساعدة قطاع الطيران على تحقيق أهدافه المتمثلة في وقف النمو في انبعاثات الكربون، وتقليل مستويات الانبعاثات إلى النصف بحلول 2050، مقارنة بما كانت عليه في 2005.

إن دفع عجلة الابتكار لإيجاد حلول طويلة الأمد للتخلص من الانبعاثات الكربونية لتحقيق النقل المستدام أمر حيوي، ولا يقتصر الدعم المطلوب على تطوير وقود مستدام بكميات وافرة وكلفة معقولة، بل يجب أيضاً التخلّص من الانبعاثات، وهو التحدي الصعب الذي يتطلب تضافر الجهود والحلول الابتكارية. ومبادرات نوعية مثل «استراتيجية دبي للتنقل الذكي ذاتي القيادة» لتعزيز مكانتها كمدينة ذكية ومركز ابتكار عالمي، وتحويل ربع وسائل النقل فيها إلى مواصلات ذاتية القيادة بحلول عام 2030، يسهم هذا الهدف في تحسين الإنتاجية بنسبة 13%، وخفض تكاليف النقل بنسبة 44%، وتحقيق مدّخرات في المنطقة تبلغ 245 مليون دولار أميركي سنوياً، كما يسهم في الحد من التلوث بنسبة 12%، ما سيوفّر 400 مليون دولار إضافي سنوياً، ويحقق إيراداً اقتصادياً يبلغ 4.9 مليارات دولار سنوياً.

لنتطلع لتطوير مواصفة وطنية للنقل المستدام، كركيزة للمدن الذكية، فمدن المستقبل لن تكون مبنية على العمل عن بعد، بل عمل هجين مستمر ومتواصل، صديقة للبيئة، ببنية تحتية للنقل الهجين، براً وبحراً وحتى جواً، ولعل مشروع مواصفة مدن زايد الذكية التي أطلقتها دائرة البلديات والنقل بأبوظبي في شهر الابتكار منذ أعوام نواة متميزة، يمكن البناء عليها لمشروعات مدن الإمارات الذكية المستدامة.

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر