انبعاثات صفرية (3)

فيصل محمد الشمري

إن البحث والتطوير المستدام ركيزة التطوّر ومحور التقدم، والصناعة الثقيلة والنفطية مازالت تتطلب تطويراً لخفض الآثار البيئية، ولعل أحد مرتكزات التطوير التقني تحديث أساليب الاستخلاص المعزز للنفط (EOR ) في خزانات النفط القديمة، حيث إن النفط لا يتدفق بسهولة، بما يستدعي إضافة المزيد من الضغط، وزيادة الإنتاج عبر ضخ الغاز الطبيعي الموجود في الخزانات.

ومع ارتفاع سعر الغاز الطبيعي وتزايد الطلب عليه، تبين أهمية تطبيق تقنيات التقاط وتخزين الكربون (CCS)، للتمكين من استخدام ثاني أكسيد الكربون (CO2) بديلاً مربحاً وعاملاً أساسياً لإبطاء معدلات التغيّر المناخي المتسارعة والحد من آثاره، بالتزامن مع رفع الربحية وتلبية الطلب المتزايد على النفط.

إن مساعي التقاط وتخزين الكربون، وتحديداً 800 ألف طن متري من ثاني أكسيد الكربون المنبعث من مصنع حديد الإمارات، بمشروعات وطنية مشتركة أقامتها شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، مع شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) في 2013، تبين مرتكزات الشراكة ورسوخها، وبدأت من أجل تنفيذ التقاط وتخزين الكربون، وتطوّرت نوعياً بتشكيل «ائتلاف أبوظبي للهيدروجين»، بين «مبادلة» و«أدنوك» و«القابضة» (ADQ) لتسريع ريادة أبوظبي في قطاع الهيدروجين في يناير 2021، ثم تطوّر في أقل من عام ونصف العام لاتفاقيات بين عمالقة الطاقة والصناعة والاقتصاد «طاقة» و«أدنوك» و«مبادلة»، للاستحواذ على حصة في «مصدر»، محولاً شراكة استراتيجية بين ثلاث شركات وطنية رائدة لترسيخ مكانة «مصدر» واحدة من أكبر شركات الطاقة المتجددة في العالم، وتعزيز ريادتها وإسهامات «مصدر» في تحقيق أهداف مبادرة الإمارات الاستراتيجية للحياد المناخي بحلول عام 2050.

إن مشروع التقاط وتخزين الكربون أعلاه، سيتم ضخ مخرجاته لمسافة 50 كيلومتراً في حقول النفط البرية، لتعزيز استخراج النفط. وهي دلالة مهمة على جدية قيادات «أدنوك» والدولة لرفع الجدوى الاقتصادية للمشروعات البيئية التحولية، واسهاماتها الاقتصادية.

كذلك، فإن كفاءة استخدام الطاقة في الصناعة وتطوير المصانع للعمل بطريقة آلية بالكامل، لتدار بمفهوم التوفير الأقصى للطاقة، مبادرة استراتيجية تسعى إلى تحقيقها تكاملياً جهات عدة، منها ما حققته شركة الإمارات العالمية للألمنيوم في عام 2013 بتنفيذ توليد للكهرباء، معززين الكفاءة الحرارية بنسب 46% و48%، ما أدى إلى خفض كثافة الغازات الدفيئة بدبي بنسبة 12% خلال خمس سنوات.

كما جاء إطلاق هيئة البيئة في أبوظبي، في يوليو 2022، لبرنامج «العلامة البيئية للمصانع الخضراء»، تماشياً مع استراتيجية أبوظبي الصناعية، ودعماً لتوجهات دولة الإمارات بمجالات استدامة البيئة وحمايتها واستدامة الموارد الطبيعية وتحول الطاقة، بتوجه أرسى قواعده الأب المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والذي استمرت قيادتنا الرشيدة على نهجه وتطويره، كتوجه حكومة الدولة لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050 تنفيذاً لمستهدفات «قمة باريس للمناخ».

وماذا بعد؟

هل نطمح إلى تعميم أفضل الممارسات والبرامج الإماراتية، مثل «العلامة البيئية للمصانع الخضراء»؟ هل سنرى حوافز اقتصادية وخفضاً للرسوم الحكومية وشهادات معتمدة وموثقة للأعضاء المشاركين؟ هل سنرى جوائز تقديرية وطنية ضمن برامج التميز المؤسسي للاحتفاء بالمنشآت الصناعية التي تتبنى وتتبع معايير بيئية أثناء عمليات الإنتاج والتصنيع؟

هل يصبح الحصول على «العلامة البيئية» للمنشآت الصناعية ذات الأداء البيئي المتميز وسيلة اختيار فضلى لمناقصات الشراء ولدعم تصدير المنتجات وتسويقها عالمياً؟ وهل نرى سلاسل إمداد خضراء إماراتية موثقة ومعتمدة لدعم هذه الغايات؟

هذه المبادرات تتطلب (مسرّعات) خاصة، ربما تستغرق أكثر من المدة المتبقية على بدء فعاليات (COP28)، لكنها بالتأكيد مستدامة الأثر والنتائج.

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر