«نلتقي»

دمعتان

قدّمتُ في مسيرتي الإعلاميّة - التي جاوزت العقدين في دبي - أحداثاً كبيرة في مسيرة هذا البلد المُشرق، أحداثاً تناقلتها وسائل الإعلام العالمية، وحظيت بتغطية غير مسبوقة، ليس أقلها افتتاح «دبي أوبرا»، التي احتضنت أعمق هذه المحطات أثراً في قلبي وأحبها إليّ، لأن لها علاقة حميمة بموضوعين لهما أهمية قصوى في حياتي: القراءة والطفل. وإذا كانت القراءة رفيقة عمري منذ طفولتي، فإن الكتابة للصغار كانت مشروعاً مؤجلاً التفت إليه أخيراً بإصدار قصتين للأطفال.

المحطة التي قصدت هي مشروع «تحدّي القراءة العربي»، فهذه المبادرة التي أطلقها صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي، تشرّفت بأن كنت - وباعتزاز كبير - جزءاً منها، فقد قدمتها في أغلب طبعاتها وكنت عضواً في لجنة التحكيم في طبعتها الرابعة، وشهدت نجاحها الباهر، وتحولها إلى ظاهرة.

هذا المشروع الذي شهد في طبعته الأولى مشاركة ثلاثة ملايين ونصف المليون طالب وطالبة من العالم العربي، وشارك في التحدي 30 ألف مدرسة، جاوز أكثر التوقعات تفاؤلاً هذه السنة في طبعته السادسة بمشاركة أكثر من 22 مليون متسابق قادمين من 92 ألف مدرسة، ليقارب مجموع المشاركين منذ انطلاق المشروع 80 مليون طالب وطالبة رغم مكابح «كوفيد» في الأعوام الماضية، وليتوّج «تحدي القراءة العربي» كأكبر تظاهرة قرائية باللغة العربية على مستوى العالم.

وهذا المشروع ليس أرقاماً فقط على أهميتها، بل ما يفتنني فيه ما يحدث من تصرّفات عفوية تُبرز الجانب الإنساني المحبّب فيه، وهو جوهر ما تُعلمنا إياه القراءة، من ذلك دمعة الطفلة المغربيّة مريم أمجون، الفائزة في الدورة الثالثة، التي مسحها الشيخ محمد بطرف غترته في لمسة إنسانية مؤثرة، اختصرت كل معاني العطف الأبوي من صاحب المبادرة تجاه بنت غلبتها رهبة الموقف ومفاجأة النتيجة، فانهمرت دموعها، ليطيّب الشيخ/الأب خاطرها ويهدئ روعها بكل عفويّة.

وبعد أربع سنوات يتكرّر المشهد معكوساً، فالطفلة - التي كنت أخشى عليها من النجومية المبكرة ما لم تتم رعايتها بانتباه شديد - عادت إلى المسرح نفسه لتقرأ من كتاب «قصتي» للشيخ محمد، المقطع المتعلق بوفاة ودفن أمه الشيخة لطيفة بنت حمدان بن زايد آل نهيان، رحمها الله، فنزلتْ دمعة الشيخ محمد في مشهد تناقلته وسائل الإعلام تاركاً تأثيراً كبيراً في كل من شاهده. وأعاد إلى الأذهان السّيرة العطرة لتلك السيدة العظيمة أم الشيوخ، التي كانت تلقب بحق «أم دبي»، بحكمتها وكرمها وطيبتها، فـ«من مثل أمي.. من مثل لطيفة»، كما كتب الشيخ محمد.

هما دمعتان: أولاهما من بنتٍ طيّب أبٌ خاطرها، والأخرى من أبٍ أثارت شجونه ذكرى فقد أمه، وما بين هاتين الدمعتين فرحة بتتويج الطفلة ذات السنوات السبع شام البكور، المنبعثة كطائر الفينيق من رماد الجرح السوري، بفصاحتها وثقتها بنفسها التي تقول لنا إن الرهان على الطفل والكتاب لا يمكن إلا أن يكون رهاناً ناجحاً، وفي «تحدّي القراءة العربي» خير دليل.

مشهد أعاد إلى الأذهان السيرة العطرة لتلك السيدة العظيمة أم الشيوخ التي كانت تلقب بحق «أم دبي»، بحكمتها وكرمها وطيبتها، فـ«من مثل أمي.. من مثل لطيفة»، كما كتب الشيخ محمد. 

@DrParweenHabib1

تويتر