الآياتُ التي يخوِّف الله بها عباده

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لِلّهِ تعالى آياتٌ كونية ونفسية تدل على قهره وجبروته وتصرفه الكامل بمخلوقاته، على الوجه الذي يريده سبحانه، لا مُعقِّب لأمره وحكمه، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وكما قال سبحانه: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾، وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة رضي الله عنه:

وفي كل شيء له آيةٌ * تدلُّ على أنه الواحدُ

ولله في كل تحريكةٍ * وتسكينةٍ أبداً شاهدُ

وهذه الآيات تدل على عظمة الله تعالى، وإبداع صنعه، وبالغ حكمته في مخلوقاته، وأنه الخالق وحده، المدبر للكائنات في السماوات والأرضين، فسبحانه ما أعظمه!

ومن أجلِّ الآيات الكونية هذه الكواكب السيارة التي تسبح في الفضاء بقدرته سبحانه، بإتقان وإحكام، لا يختل لها نظام، وإن حدث تغيُّر في نظامها فإن ذلك يؤذن بخراب الكون، وإعادته كأول أمره كما قال جل شأنه: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾.

وحتى لا ينسى العباد قدرة الله تعالى وتدبيره لكونه؛ فإنه يريهم بين الحين والآخر شيئاً من قدرته؛ من خسوف أو كسوف أو صواعق أو مطر عذاب أو ريح عاصف أو فيضانات أو غير ذلك مما يخوِّف الله تعالى به عباده، لعلهم يتقون ويتعظون بما يروا من العذاب المحسوس المؤذن بعذاب مرتقب، وليعلموا أن الله على كل شيء قدير، فالشمس والقمر، وهما آيتان مشهودتان لا يجهلهما أحد، بهما صلاح الكون ونفع الأرض ومن عليها، ومع كونهما يسيران بحسبان، إلا أن مسيِّرهما سبحانه، قد يغير شيئاً من نظامهما بكسوف أو خسوف للدلالة على قدرته سبحانه بتغيير نظام الكون إن أراد، تذكيراً للعباد الذين هم عن ربهم غافلون.

ونحن معاشر المسلمين، علينا أن نتفاعل نحو هذا التغير بما يجعلنا مستشعرين ضعفنا وافتقارنا لبارينا سبحانه، وذلك بالرجوع إليه في الضراء كما نرجع إليه في السراء، فنفزع إلى مناجاته بالصلاة والدعاء، كما أمرنا بذلك رسوله ومصطفاه، بقوله عليه الصلاة والسلام: «إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد، ولا لحياته، ولكنهما من آيات الله، يخوِّف الله بهما عباده، فإذا رأيتم كسوفاً، فاذكروا الله حتى ينجليا» وفي رواية «فإذا رأيتم منها شيئاً فصلوا، وادعوا الله حتى يكشف ما بكم»، وفي أخرى: «فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة، وإلى ذكر الله وادعوا وتصدقوا».

ذلك أن هذا التغير لوضع الكواكب المشهودة التي تفتقر الحياة إليها، ينبغي أن يقابل بتغير نفسي من غفلة عن الله تعالى إلى حضور، ومن حضور إلى يقظة، ومن يقظة إلى مشاهدة، وكما أرشدنا نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، ولاشك أن استشعار المهابة لله تعالى عند حدوث هذه التغيرات الكونية يكون كبيراً، وأعظم ذلكم الاستشعار أن يكون مع الصلاة التي هي صلة بين العبد وربه، والتي هي موضع تذلل العبد وتجلي الرب سبحانه، فهو القائل: ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾، ونبيه القائل: «أقربُ ما يكون العبد من ربه، وهو ساجد، فأكثروا الدعاء»، وهو ما شرعه لنا نبينا عليه الصلاة والسلام من إطالة الصلاة في مثل هذا الحدث العظيم وتغيير شكلها تناسباً مع تغيُّر وضع الحدث، وإطالة الركوع والسجودين في كل ركعة، فضلاً عن موعظة ترقق القلوب وتجدد صفاءها لخالقها سبحانه، حتى يكون العبد سائراً في موكب العبودية التي تسير عليها الكائنات كلها ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا﴾.

وحتى لا ينسى العباد قدرة الله تعالى وتدبيره لكونه؛ فإنه يريهم بين الحين والآخر شيئاً من قدرته.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر