الأزمة الروسية الأوكرانية وعلاقتها بالأمن الغذائي في المنطقة

عبدالناصر الشعالي

عندما يتعلق الأمر بالأمن الغذائي لدول الشرق الأوسط، بما فيها دول الخليج العربية، وشمال إفريقيا، فإن ما يحدث في العالم، كالأزمة الروسية الأوكرانية، لا يبقى محصوراً بالدول المعنية، خصوصاً في ضوء اعتماد دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على استيراد الغذاء لتعزيز أمنها الغذائي، وتوفير كميات كافية من السلع الغذائية في الأسواق، مع نمو العدد السكاني بشكل كبير جداً في السنوات الماضية، سواء أكانت هذه الزيادة بشكل طبيعي، من خلال زيادة عدد المواليد مُقارنةً بعدد الوفيات، أو من خلال الهجرة، كما هو الحال في بعض دول الخليج العربية، على سبيل المثال لا الحصر.

لذلك، وفي ضوء ما تقدَّم، فإنَّه من الطبيعي لهذه الدول أن تقلق عند حصول أزمة بين دولتين تقومان بتصدير ما يُقارب ثُلث كمية القمح التي يتم تصديرها عالميّاً، وذلك لسببين رئيسين.

أولاً، لم تكن كل دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تاريخياً، مُعتمدة اعتمادا كلّياً على استيراد سلع كالقمح. فبعض هذه الدول كان إما منتجاً لها بما يُحقق الاكتفاء الذاتي للدولة من إنتاجها المحلي، ونرى ذلك في دول كسورية والسعودية، التي كانت من أكبر 10 مصدرين للقمح عالميّاً لأكثر من عامين على التوالي في تسعينات القرن الماضي. يختلف الأمر بعض الشيء لدولة مثل مصر التي كانت ولاتزال تنتج القمح، إلا أنَّها باتت من أكبر 10 مستوردين له على مُستوى دول العالم، وذلك بسبب رخص واردات القمح القادمة من الولايات المتحدة الأميركية والمُقدمة كجزء من الدعم الاقتصادي لمصر، مُنذ توقيعها اتفاقية سيناء في 1975، ونتيجةً لارتفاع أسعار السلع الغذائية حينها مع ارتفاع أسعار النفط، إضافةً إلى نمو العدد السكاني بما يتجاوز قدرة الدولة على إنتاج القدر الكافي من القمح لتحقيق الاكتفاء الذاتي داخليّاً.

ثانياً، لا يُمكن بطبيعة الحال أن تتمكن دولةٌ ما، مهما كان قطاعها الزراعي مُتطوراً ومُتقدماً، من إنتاج كل ما يتم استهلاكه في الدولة من سِلَع غذائية، ما يعني الحاجة لاستيراد بعض السِلَع، وفي بعض الأحيان، أغلبها من دول أخرى قادرة على إنتاج هذه السِلَع بكلفة أقل مقارنةً بالدول المستوردة لها رغم قُدرة الأخيرة على إنتاجها. وُهنا وَجَبَ التطرق إلى مثال للتوضيح.

وتتصدر الهند والصين إنتاج الأرز عالمياً لتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة وتصدير الفائض منها. إلا أنه لا يمكن الجزم بأن كلفة الإنتاج متساوية في الدولتين بناءً على مبدأ التفاضل البيني في الإنتاج ضمن إطار نظرية التجارة الدولية المنسوبة لـ«آدم سميث» و«ديفيد ريكاردو». هذا لا يعني تجارة الأرز بين الدولتين المذكورتين أعلاه، وإنما أن هاتين الدولتين تتفوقان على غيرهما من الدول المُنتجة للأرز.

ختاماً، من الضروري أن لا تعتمد الدول المُنتجة وغير المُنتجة للغذاء على مصادر استيراد قليلة أو محدودة عند جلب سلعها الأساسية من الخارج، الأمر الذي ينطبق على الدول المُنتجة والدول المُستوردة للغذاء. بينما أكدت الأزمة الروسية - الأوكرانية أهمية هذا المبدأ وحتميته، إلا أن أزمات أخرى سبقتها، كأزمة «كوفيد-19» وتأثيرها على سلاسل الإمداد والأزمة المالية في 2008، كانت عبارة عن دروس قاسية في ما يتعلق بالأمن الغذائي للدول المُنتجة والدول المُستوردة للغذاء.

من الضروري أن لا تعتمد الدول المُنتجة وغير المُنتجة للغذاء على مصادر استيراد قليلة أو محدودة عند جلب سلعها الأساسية من الخارج.

aj_alshaali@

Aj.alshaali@gmail.com

اقتصادي مختص في الأمن الغذائي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر