الإنسانُ محور التنمية

من أجلِّ مِنن ربِّنا سبحانه وتعالى؛ امتنانُه علينا بالعلم والمعرفة؛ لما في هذه المِنّة من فتح للخيرات الدنيوية والأخروية، فإن كنوز الأرض وعمارتها وتطورها والاستفادة مما قدَّره فيها لا يمكن أن تكون إلا بالعلم، ناهيك عن أن الآخرة لا يدرك نعيمها إلا بمعرفة الله تعالى وعبادته القلبية والبدنية، ومن أجلِ ذلك امتنَّ على أبينا آدم عليه السلام بالعلم، وأظهر مكانته، وأسجد له ملائكته بالعلم، وكل نبي ورسول من بعده إنما بعثوا بعلم يدل على الله، ويعمر الأرض، وخاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام، افتتح الله رسالته ونوره الذي بعثه به بالعلم؛ فأمره بالقراءة، وأرشده إلى أنها الطريق الموصل للعلم، ودلَّه على وسائل التعلم، بما هو معلوم في مطلع سورة القلم، وقال عن نفسه: «وإنما بُعثت معلِّماً»، لتعلم أُمَّتُه أنها معنية بالعلم كعنايتها بالإيمان والعبادة، وهو ما أشار إليه الحق سبحانه بقوله: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}، في ثلاثة مواضعَ من الذكر الحكيم؛ كل ذلك لأن العلم هو الوسيلة الوحيدة لبقاء الشريعة الخاتمة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، كما صح في الحديث عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «إن من أشراط الساعة: أن يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا»، وفي حديث الشيخين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أنه، صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم».

والمراد بذلك العلم الشرعي الذي يدل على الله، ويدل الناس على كيفية عمارة الأرض بما يرضي الله، ويبقيها صالحة لخلق الله تعالى.

وهذا مما لا يخفى على عقلاء البشر، لذلك فإن كل أمة هي معنيَّةٌ بأن يكون العلم مقصودها الأساس في حياتها الدينية والدنيوية، وكما قال الإمام الشافعي، رحمه الله: «من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم».

وهذا ما تنتهجه قيادتنا الرشيدة التي جعلت العلم أساس انطلاقها للعالم المتحضِّر والصناعي والتقني، فضلاً عن التربية الإسلامية والخُلقية، كما ترجم عن ذلك أول تحرك في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة حفظه الله تعالى، بجعل أول تحديث وزاري كان من أجل العلم والتعليم، وترجمه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله تعالى، بإطلاق أول المشاريع التحويلية في التعليم التي سمّاها مدارس الأجيال، والتي ستدير مؤسسات تعليمية خاصة، مشهود لها بالكفاءة، وتستهدف 14 ألف طالب ضمن هذا النموذج، وهي المدارس التي قال عنها سموه في تغريدة له بهذا الخصوص:

«مدارس الأجيال ستنطلق بمناهج وطنية تشرف عليها مؤسسة التعليم المدرسي كاللغة العربية والتربية الإسلامية، بالإضافة إلى مناهجَ دولية في العلوم والرياضيات، تشرف عليها مؤسسات تعليمية خاصة متميزة بالكفاءة»، وأضاف سموه أن «تكلفة الطالب ستتكفل بها الحكومة بالكامل»، كما بشّر، حفظه الله، بأن هذه الخطوة المباركة «ستتبعها خطوات لتطوير مدارسنا وتعليمنا».

فلما كانت التنمية هي محور الارتكاز في برنامج القيادة الرشيدة، فإن حجر زاوية هذه التنمية هو الإنسان الذي سيدير تنمية الحاضر والمستقبل، والإنسان هو الذي يصنع المستقبل بالعلم والمعرفة، باختراعاته التطبيقية والتكنولوجية، ولكنه لا يفعل ذلك إلا بالعلم، فإن الله تعالى جعل في الإنسان قابلية التعلم، ليدرك دقائق الأشياء وخفيِّها، إن هو جد واجتهد، وأتى البيوت من أبوابها، وكل ذلك لا يكون إلا بتوجيه القيادة الرشيدة التي تخطط وتسخّر الإمكانات لتحقيق التطلعات، وهو ما تفعله هذه القيادة الرشيدة منذ بزوغ فجرها على يد المؤسس الشيخ زايد، رحمه الله، الذي قال: «إن الإنسان هو أساس أي عملية حضارية».

وهاهم خلفاؤه البررة يترسمون خطاه في تنمية الإنسان وتطويره، لتحقيق سعادة الشعب ورفاهيته، والاستقامة على شريعته وثقافته، ومواكبة التطور الحضاري العالمي الذي لا يتوقف.

فنسأل الله تعالى أن يبارك في هذه الجهود حتى تؤتي ثمارها يانعة، بإذن الله تعالى.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة