مساحة حرة

‏الوضع الطبيعي (2)

فيصل محمد الشمري

برهنت القيادة الرشيدة والمنظومة المؤسسية لإدارة الأزمات في الدولة على جاهزية عالية وفاعلية خطط إدارة الأزمات، وحداثة ودقة سجل المخاطر الوطني وآلياته وإجراءاته وخطط التعامل مع سيناريوهاته، وأتت برامج إدارة المخاطر وخطط استمرارية الأعمال وشهادات الأيزو والاعتمادات الوطنية والعالمية أُكُلها، وحقق إنشاء الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، أهداف القيادة الرشيدة المنشودة، حيث عززت منظومة إدارة الحدث المتكاملة والمتحدث الرسمي كركيزة للتواصل المستمر والمباشر مع الجمهور كجزء من خلية إعلام إدارة الأزمات.

إن إدراك حجم الاستعدادات للوصول بالجاهزية لما رأيناه أمر مهم، ولخبرتي وعملي كأحد أعضاء فرق العمل الوطنية المعنية بالتنسيق والإعداد لبرامج تأهيل وتطوير جاهزية فرق العمل المعنية بخطط الأمن الوطني، منها على سبيل المثال لا الحصر: فرق اتصال وإعلام الأزمات، مكتب إدارة شؤون الضحايا (والذي بحمد الله لم تتطلب الحاجة تفعيله)، منظومة القيادة والسيطرة، وخطط الإخلاء وغيرها من الجهود الوطنية المشرفة، ولعل بداياتها تعود للجنة الأمنية العليا للفعاليات في إمارة أبوظبي، التي يترأسها سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، وعضوية كل من اللواء الركن عبيد الحيري الكتبي، واللواء دكتور أحمد ناصر الريسي، والتي كان قائدها الفضي في بداياتها اللواء عبيد الشامسي (الذي يتولى حالياً منصب نائب رئيس الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث)، وقاد قبلها الهيئة تشغيلياً كمدير عام، حيث كان العمل بالنموذج الإماراتي للقيادة العملياتية المشتركة (Joint Operation Command JOC) تجربة واستعداداً متقدماً لكيفية تطبيق منظومة القائد الذهبي في الأزمات والكوارث، وهي أحد أكثر الأنظمة العالمية فاعلية وكفاءة، وتضمنت الاستعدادات تدريب نخبة من المعنيين على المنظومة داخل وخارج الدولة ومنها الحصول على دبلوم تخصصي في الأزمات والكوارث يختص بالقائد الذهبي ويتضمن أهم أعضاء الفرق وركائز نجاحه.

إن إطلاق وزارة الموارد البشرية والتوطين، بالتنسيق مع الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث، البرنامج الوطني، لضمان استمرارية الأعمال في القطاع الخاص، في ظل التدابير الوقائية والإجراءات الاحترازية المتخذة على مستوى الدولة، ضمن منظومة العمل الحكومي الاتحادي والمحلي، لمواجهة الجائحة والحد من انتشارها؛ جهد متميز، ونأمل عقب مشاهدتنا لإعلان تشكيل اللجنة الوطنية لإدارة وحوكمة مرحلة التعافي من أزمة جائحة «كوفيد-19»، أن تنشر تقاريرها وخططها وأهم فرص التحسين التي ستعالجها، وأن تضم قريباً ممثلين عن القطاع المصرفي.

فأحد أهم اختصاصات اللجنة: تحديد العوامل المالية والاقتصادية اللازمة لدعم مرحلة التعافي، ودون مشاركة المصرف المركزي لحوكمة إسهامات القطاع المصرفي لن نرى ذلك يتحقق، فالعديد من البنوك نشرت أرقاماً مبهرة، لكن هل هي أرقام حقيقية تعكس إسهاماتها في معالجة التحديات الاقتصادية والتباطؤ الاقتصادي العالمي المصاحب؟ نرجو ذلك، ولو أنه من الصعب علينا تأكيده، فالعديد من الأفراد والشركات شكوا تعنت المصارف في تقديم تسهيلات حقيقية أثناء الجائحة.

إن التحديات المركبة التي نرصدها اليوم، تتضمن تضخماً عالمياً وتباطؤاً اقتصادياً مقروناً بغلاء أسعار السلع الأساسية والمواد الغذائية والوقود، هل نتوقع أن يتم إجراء مقارنة معيارية مع أسعار الوقود في المنطقة، وأثر التضخم على الأسر والأفراد، وقياس تفاعلي لخط الرفاه أو حد الفقر، مصحوباً بتسهيلات أكثر من مرنة، لتأجيل الأقساط وسداد المديونيات دون أعباء إضافية؟ هل نطمع في تأجيل تحصيل ضريبة أرباح الشركات من ثلاثة إلى خمسة أعوام؟ فزيادة الضرائب بالتوازي مع تضخم عالمي ستشكل تحدياً اقتصادياً مهولاً.

كذلك نأمل مرونة وتقبلاً أكبر من بعض الجهات في تلقي الشكاوى والانتقادات والاقتراحات، فالهدف ليس فقط النقد وإنما العلاج، فالكثير من الجهات تحدثت قياداتها عن مراجعة جذرية لرسوم الخدمات بعد تطبيق الضريبة، ولم نرَ شيئاً من حديثهم يرى النور! فالجهة الوحيدة التي نستطيع أن نعلن أنها حققت ذلك دائرة التنمية الاقتصادية في أبوظبي وأسهبنا في ذلك بمقال سابق بعنوان «رخصة بـ1000 درهم». هل سنرى يوماً خطة لجدولة الرسوم تواكب المدخول الضريبي؟ فلا نتوقع أن يتم تحصيل رسوم بديلة للضرائب بالتوازي مع تحصيل الضرائب وبالتزامن مع تضخم عالمي غير مسبوق!

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  


المنظومة المؤسسية لإدارة الأزمات في الدولة برهنت على جاهزية عالية، وفاعلية خطط إدارة الأزمات.

 

تويتر