مساحة حرة

التحول الرقمي (3)

فيصل محمد الشمري

تعد الحكومة الرقمية تطوراً طبيعياً لنموذج الحكومات الذكية، الإلكترونية والتقليدية، لكن معدلات التغير وسرعته تعتمد على توفر ممكنات التغيير والتطور الطبيعي أو القفزات التقنية المتحققة نتيجة الدعم القيادي أو الظروف المواتية أو الحالات الاستثنائية. ولعل جائحة «كوفيد-19»، أجبرت الجميع على تبني تطبيقات العمل والدراسة عن بعد واستفاد منها من حضّر لذلك بتوفير بيئات التغيير المناسبة من تشريعات وبنى تحتية وتقنيات وتطبيقات موائمة لاحتياجاته.

في فبراير الماضي، كان المركز الأول عالمياً في تصنيف «بلومبيرغ» للمرونة، لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولعل استمرار تقديم الخدمات العامة الحكومية، أحد أوجه بيان نتائج الحكومة الذكية وتطبيقاتها، ثمرة لما تم بناؤه والاستثمار فيه، عبر التفاعل المباشر والمتزامن مع المواطن من جهة، واستغلال البيانات المنتشرة في المجتمع ومكوناته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية من جهة أخرى. فتمكين القطاع العام، من العمل على مدار الساعة، وتقديم خدمات للجميع بشفافية، عكس نموذجاً متطوراً للحكومة، أكثر مرونة وجاهزية، باستغلال التقنيات وشبكات الاتصالات المتقدمة، واستغلال البيانات والنماذج التنبؤية الاستباقية، في تصميم وتطوير خدمات حكومية ذكية وتجارب متوائمة مع احتياجات المجتمع والمتعاملين، حيثما كانوا وعلى مدار الساعة. فأحد أهم مميزات الحكومة الرقمية، نضج استغلال البيانات وبناء النماذج التنبؤية والاستفادة منها في عملية صنع القرار، وبناء السياسات العامة، وتصميم وتطوير خدمات وتجارب متوائمة مع احتياجات المتعاملين (Personalized Services).

ويعد استخدام البيانات لحماية أرواح المتعاملين وصحتهم وتعزيز سعادتهم، وخلق قيمة أفضل لهم، وزيادة كفاءة وفاعلية العمل الحكومي، وبأقل احتمالية للأخطاء البشرية، هو أكثر أنماط الاستغلال نضجاً.

وجاء تطوير الشراكات مع القطاع شبه الحكومي والخاص والمؤسسات غير الربحية والجامعات والمستشفيات وكل شرائح المجتمع، بما أدى إلى اختصار وقت المتعاملين، وتسهيل حصولهم على الخدمات، وتحقيق تجربة متعامل مفعمة بالتفاعل والسعادة، ولعل برنامج التعقيم الوطني وإجراءات الحجر الذكي واستخدام البيانات الكبرى لحصر احتمالات (المخالطة) والفحص الوقائي، نموذج لخدمات قد تكون ضايقت البعض بتشددها، لكنها أسهمت في الحفاظ على أرواح الكثيرين، والحد من انتشار الإصابات والعدوى.

إن من إيجابيات الجائحة، أنها برهنت على جاهزية وواقعية خصائص الحكومة الرقمية، وكشفت زيف ادعاءات التحول للبعض، فتحقق توفر الخدمات، يبرهن أن القطاعات جزء من حكومة لا تنام، تعمل 24 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، 365 يوماً في السنة، مضيافة كالفنادق، سريعة في معاملاتها قوية في إجراءاتها، تستجيب بسرعة للمتغيرات، تبتكر حلولاً للتحديات وتسهل حياة الناس وتحقق لهم السعادة، وتعتمد على البيانات لتوفير خدمات متخصصة للمتعاملين متوائمة مع احتياجاتهم.

ولعل مسيرة جهود حكومة دولة الإمارات، على مر أعوام، عكفت خلالها على تنفيذ العديد من المبادرات والمشروعات الطموحة، في إطار تطبيق مبادرة الحكومة الرقمية لدولة الإمارات، ساعدت بتسريع وتيرة التحول الرقمي في الجهات الحكومية على المستويين المحلي والاتحادي. وشجعت الجمهور على تبني واستخدام الخدمات الرقمية.

ومن أهم المبادرات والمشروعات: الشبكة الاتحادية، مركز الإبداع الرقمي- CODI، الرابط الحكومي للخدمات (GSB)، مشروع البيانات الضخمة، ونظام إدارة علاقات المتعاملين الوطني (National CRM)، ومشروع الهوية الرقمية (UAE Pass)، والذي عرف سابقاً بمشروع الدخول الذكي، وطور بتعاون نموذجي بين كل من هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، ودبي الذكية، وهيئة أبوظبي الرقمية، بهدف إيجاد هوية رقمية موثوقة لمقدمي الخدمات في الإمارات، وتوفير تجربة سلسة وآمنة للمستخدمين، لتُشكِل الهوية الرقمية مُمكناً أساسياً لمبادرات التحول الرقمي، وتؤدي دوراً مهماً في تحقيق أسس التنمية المستدامة وأهداف رؤية الإمارات 2021، ومئوية الإمارات 2071. ومن أهم مزايا الهوية الرقمية، الوصول إلى مجموعة واسعة من الخدمات، وإمكانية الوصول إلى مزودي الخدمات، الموثوقين رقمياً، وتوقيع المستندات وتوثيقها رقمياً.

ورغم مرور أعوام على تطوير مشروع الهوية الرقمية، مازلنا نلاحظ تفاوتاً بين بعض الجهات في استغلال هذه المنصة المهمة، ومازال البعض يطلب بعد تسجيل الدخول، أن يتم إرسال صورة للوثائق عبر البريد الإلكتروني! وهو ما تطرقنا له سابقاً في مقالتنا «قول تم»، الأمر الذي يجعلنا نقترح تقييم نضج استغلال الجهات المنضمة والمستخدمة لهذه المنصة، وإعلان النتائج وليحصل المتميزون على الدرجة الكاملة، وليزيد المبتكرون على الدرجة الكاملة، وليظهر المتأخرون في استغلال هذه المنصة، بما يجعلهم (يُجبرون) على استغلال أفضل وأمثل لمشروعات كلفت الدولة مبالغ طائلة، ومازالوا هم متأخرين، كمن يسير في كهف مظلم، متأخرين عن باقي الجهات، بينما كل ما عليهم، بعد توقيع مذكرة التفاهم مع هيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، والربط التقني، إعادة هندسة إجراءاتهم، بما يقلل من الوثائق المطلوبة ويقلص الإجراءات، ويعزز سرعة إنجاز المعاملات، أسوة بباقي الجهات، وهو الأمر الذي قد نتطرق لنماذج وأمثلة عنه في مقالات مقبلة.

مستشار إداري وتحول رقمي، وخبير ومقيَم تميَز مؤسسي.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر