مساحة حرة

التحول الرقمي (1)

فيصل محمد الشمري

التحول الرقمي، أضحى هوساً للمؤسسات الحكومية في المنطقة قبل الشركات، وتحول بسبب حوافز قيادية، ونموذج فريد للتغيير، إلى هاجس للمسؤولين، لدرجة أن بعضهم أصبح، وإن لم يدرك معنى بعض المصطلحات التقنية، مستخدماً لها لإثبات العكس، وأصبح للبعض هاجساً مخافة التغيير، وليس المقصود هنا تغيير مؤسسي، بل تغيير هؤلاء البعض، وإزاحتهم، لتحل مكانهم قيادات ممكنة ومتمكنة، وهذه سنّة الحياة، وأدوات تحقيق رؤية القيادة، بأن نصبح الرقم (1). إن حجم سوق التحول الرقمي سينمو من 521.5 مليار دولار في عام 2021، إلى تريليون و247.5 مليار دولار بحلول عام 2026، بمعدل نمو سنوي مركب يقدر بـ19.1٪.

أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في الـ22 من مايو 2013، مبادرة حكومة الإمارات الذكية، لتوفير الخدمات للجمهور، حيثما كانوا، وعلى مدار الساعة. حكومة تذهب إلى المواطن في كل الأوقات، وفي أي مكان في العالم، ضمن توجهات الحكومة لتطوير الخدمات، وتحقيق جودة حياة عالية لمواطني دولة الإمارات والمقيمين على أرضها، وفقاً لرؤية قيادة الإمارات.

وحدد سموه فترة زمنية، مدتها عامان، للجهات الحكومية لإنجاز التحول، مع تحديد نهاية هذه المهلة لوداع غير القادرين على تحقيق التحول المستهدف. حيث قال سموه: «قبل خمسة أعوام جمعنا 1000 مسؤول من الحكومة الاتحادية، وأطلقنا معهم مشروع (الحكومة الذكية) لتحويل خدمات الحكومة على الهواتف الذكية، أعطيناهم مهلة 24 شهراً للتنفيذ، ووعدنا المقصرين بحفل وداع.. اليوم صدر تقرير من الأمم المتحدة يضم 193 دولة، يصنف الإمارات السادسة عالمياً في الخدمات الذكية».

ولدعم التحول، و(مأسسته) تم إعداد وتعميم دليل إرشادي للحكومة الذكية، وإطلاق خارطة طريق الحكومة الذكية، حيث تم تحديد مجالات التركيز ضمن أربعة مسارات متوازية لخارطة الطريق: إيجاد بيئة عامة تزدهر فيها الحكومة الذكية، تقييم القدرات، تأسيس موارد مشتركة على المستوى الوطني، إسعاد المواطنين.

وجاء إطلاق استراتيجية الخطة الوطنية لتحقيق أهداف الحكومة الذكية داعماً لتطوير البنى التحتية، وتنفيذ الاستراتيجيات التي تدفع عجلة التحول الذكي للجهات الحكومية، وقياس وحوكمة مؤشرات ممكنات الحكومة الذكية، تماشياً مع استراتيجية الحكومة للتحول الإلكتروني والذكي، وبما يسهم في تحقيق المستهدفات الوطنية ذات الصلة، ويوفر كل الظروف الملائمة للوصول إلى الرقم 1عالمياً في الخدمات الذكية. فتناوب الحصول على المركز الـ6 والـ8، لا يرضي طموحات القيادة، رغم أن أساسيات مميزات وخصائص الحكومة الذكية تحققت، ومنها: أنها حكومة لا تنام، تعمل 24 ساعة في اليوم، 7أيام في الأسبوع، 365 يوماً في السنة، مضيافة كالفنادق، سريعة في معاملاتها، قوية في إجراءاتها، تستجيب بسرعة للمتغيرات، تبتكر حلولاً للتحديات، تسهل حياة الناس وتحقق لهم السعادة.

ورغم ضخامة الجهود وتنافسية النتائج، فنحن اليوم مازلنا الأول خليجياً وعربياً، وعلى مستوى غرب آسيا في الخدمات الذكية، وتقدمنا عالمياً على دول سبقتنا في هذا المجال، ووصلنا للمرتبة السادسة عالمياً في المؤشر العالمي للخدمات الإلكترونية (الذكية)، والمركز الثاني في مؤشر جاهزية البنية التحتية للاتصالات (TII) على مستوى العالم، وفي مؤشر المشاركة الإلكترونية (الذي يقيس الإجراءات المتبعة لإشراك المواطنين في صنع السياسات والقرارات الحكومية وتطوير الخدمات العامة).

ويتم ذلك من خلال ثلاثة مستويات، تبدأ بمستوى توفير المعلومات، ثم مستوى المشورات الجماهيرية، وبعد ذلك مستوى اتخاذ القرارات، حققنا قفزة من المركز 32 في عام 2016 إلى المركز الـ17 في 2018، محققين تقدماً بلغ 15 مركزاً عالمياً، حسب تقرير تنمية الحكومات الإلكترونية، الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، لكن كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «فخور بفريق عملي، يستحقون حفلاً كبيراً لنحتفي بهم، ولكن سنقيمه لهم بعد تحقيقنا المركز الأول عالمياً، بإذن الله، لم نصل بعد للمركز الأول».

ونحن نختم شهر الابتكار، وعلى أعتاب الأول من مارس الذي يصادف الاحتفال بيوم المستقبل، وقبل أيام قليلة من إعلان نتائج جائزة محمد بن راشد للأداء الحكومي المتميز، والتي تطور الإصدار الثاني من الجيل الرابع، فيها ليضم جوائز حديثة ومبتكرة، تتضمن فئات قد لا يكون سمعت بها دول أخرى مثل: تبني تطبيقات العمل عن بعد، والخدمات الاستباقية والمترابطة، وتبني الذكاء الاصطناعي، وتصنيف قنوات الخدمة، وإدارة البيانات والمعرفة، والاستباقية وجاهزية المستقبل، وجودة الحياة، والموقع الريادي والتنافسية، والابتكار، وغيرها.

نذكر ونشيد بجهود فريق وطني متميز، وتنافسية مؤسسية أضحت جزءاً من نسيج الحمض النووي المؤسسي، وبفضل خبراء أسهموا في بناء القدرات، ونقل وترسيخ وتطوير المعرفة، نذكر منهم الراحل البروفيسور، محمد زائيري، الذي كان له فضل عليّ وعلى كثير من الزملاء في تعليمنا مبادئ التميز، وتشجيعنا على تطويرها.

هل نستطيع تحقيق الرقم 1؟ بأمر الله وتوفيقه، وبدعم القيادة وتوفير الممكنات المؤسسية بكل تأكيد، وكما قال سموه «منذ زمن ليس ببعيد، كان هدفنا اللحاق بالركب، وقد تجاوزنا بنجاحاتنا هذا الهدف بكثير... نريد الآن الريادة».

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير ومقيم تميز مؤسسي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر