مساحة حرة

الرياضة والاقتصاد

فيصل محمد الشمري

تحولت الرياضة إلى صناعة اقتصادية مهمة، تدر عوائد تصل إلى مئات المليارات من الدولارات سنوياً، وأصبحت ركيزة أساسية في صناعات مكملة، مثل الأزياء وبورصة الإعلانات، فمن أغذية صحية إلى مكملات غذائية وبرامج لزيادة الكتلة العضلية أو لخسارة الدهون والوزن الزائد ورفع اللياقة البدنية، نجد أن الأندية والفرق الرياضية التي لا تحقق نتائج إيجابية تسقط أسهمها وقيمتها المالية، وعقود الإعلانات، وعوائد بيع تذاكر الجمهور، أو البث التلفزيوني لأرقام لا تغطي التكلفة التشغيلية.

الأمر الذي يدفع ملاك أو إدارات الأندية ومشغليها إلى البحث عن بطل أو مستثمر شجاع، يعيد الأمور إلى نصابها باستثماراته التصحيحية، كأنه جرّاح ماهر، يعلم أين مصدر الداء، وكيف يكون الدواء.

وتجربتنا الناجحة في نادي «مانشستر سيتي» نموذج وعبرة لكيفية تصحيح مسار ناد عريق بما يرضي جمهوره، لاستعادة مكانته الرياضية وتاريخه، وعودته لتحقيق سلسلة من النجاحات والانتصارات العالمية والإقليميه والمحلية.

كما أن تجربتنا الإدارية الناجحة على المستوى الحكومي أضحت نموذجاً عالمياً للتميز الإداري والاستثماري، وأصبحت منارة فخر ونموذج للاستثمار في المستقبل الناجح والمستدام.

إن هذه النجاحات تدفعنا للتساؤل عن متى نبدأ تطبيق المفاهيم الاقتصادية والإدارية الأساسية ذاتها في أنديتنا الرياضية المحلية، وندفعها للعالمية، بل حتى في منتخباتنا وألعابنا، سواء الجماعية أو الفردية، وبمقارنة نتائج الألعاب الفردية وفرق ذوي الهمم، نجدها حقّقت نجاحات متميزة، رغم أن الاستثمار بها مقارنة بأنديتنا وفرق الألعاب الجماعية ومنتخباتنا لم تحقق 10% ممّا حققته الألعاب الفردية أو فرق ذوي الهمم! وهو الأمر الذي يذكرنا بنقاش رئيس إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي سابقاً، مع منتخبات وإداريي منتخبات بلاده، سائلاً إياهم عن أسباب عدم كسبهم أي ميداليات أو إنجازات دولية رغم توفيره لهم جميع احتياجاتهم من معسكرات وتجهيزات رياضية، وسفر وبدلات إلى آخره!

الأمر الذي يجعلنا نتساءل متى سنرى ممارسات مماثلة مثل الحد من الرواتب الخيالية الحقيقية التي يتسلمها بعض اللاعبين دون أي إنجاز حقيقي، أو أرقام مماثلة لأقرانهم الذين لا يحصلون على رواتب مماثلة بدول أخرى؟! ومتى نتوقع أن يعاد النظر في حجم الاستثمارات والمبالغ المستثمرة في الألعاب الجماعية ذات المردود الضعيف، سواء على مستوى الإنجازات الإقليمية أو العالمية، مقارنة مع الألعاب الفردية أو فرق ذوي الهمم؟

إن العقلية الإدارية الرياضية الناجحة تتطلب تطبيق مفاهيم ريادة الأعمال، وتقييم النتائج بالمفاهيم الاقتصادية نفسها التي تطبق على الشركات، خاصة أنها تحولت إلى شركات تستهلك وتصرف مئات الملايين سنوياً، فهل عوائد الاستثمار موازية أو مساوية للمبالغ المصروفة؟ وهل وصلنا إلى أن تغطي المصروفات قيمة العوائد؟ أم لانزال في دائرة الخسارة؟

هل نتوقع أن نشاهد رواتب محترفي كرة القدم مثلاً تتمثل مع نتائجهم ولياقتهم البدنية، وفي عطائهم في المباريات؟ وهل سنرى بيانات التمارين اليومية أسوة باللاعبين المحترفين في أندية أوروبا ودول العالم الأخرى؟ أم أن الاحتراف سيبقى محصوراً بقيمة المبالغ التي يتحصلون عليها شهرياً أو سنوياً، بينما النتائج لا ترقى إلى مستويات بعض الهواة في دول أخرى؟

قد لا يعجب هذا الطرح بعض الإداريين أو حتى اللاعبين، لكن الطموح والسعي لتحقيق الاحترافية، وأن تعكس الإنجازات الرياضية المستوى المتميز الذي وصلت له دولة الإمارات في تنافسيتها (بكل المؤشرات الأخرى)، الطموحات المستحقة على الصعيد الرياضي.

يجب على الأندية والاتحادات المعنية، أن تبدأ قياس مؤشرات الأداء والتنافسية، وتجري مقارنات معيارية وتطور الاستراتيجيات ذات الصلة بتطوير الأداء الرياضي على مستوى الأندية والاتحادات، بل حتى الهيئات المعنية، نأمل أن تعمل على استنساخ التجربة الحكومية في تحقيق الريادة والتميز العالمي لعل وعسى أن يشهد جيلنا أو الجيل القادم طفرة رياضية مماثلة لتميزنا وتطورنا الحكومي، أو أن نشهد على الأقل قرارات تصحيحية مماثلة لما شهدناه من دمج بعض الأندية في إمارة دبي والشارقة، وهو الأمر الذي ينعكس على توفير وترشيد هائل في النفقات والمصروفات وتحسن كبير في تنافسية هذه الأندية وتطور مستوياتها وزيادة أعداد المنتسبين لهذه الأندية بعد الدمج، أو كما شهدنا في بعض الحالات النادرة من إلغاء لألعاب جماعية (قد يعود أحياناً لخلاف مع الاتحاد المعني، أو اعتراض على قرارات معينة، لم تكن لمصلحة تلك الأندية لدرجة إلغاء هذه الألعاب الجماعية، مثلما شهدنا مع اتحاد كرة السلة وغيرها من بعض الألعاب الجماعية المماثلة).

كما أن قرار أحد الاتحادات الوطنية إلزام أن يكون مساعد مدرب الفريق الأول مواطناً، خطوة نأمل أن تتبعها خطوات مماثلة في الفرق، وأن تطبقها بقية الاتحادات، كما نأمل أن نشهد مساراً متكاملاً لدعم ريادة الأعمال في المجالات الرياضية والطبية والتقنية ذات الصلة من قبل الجهات المعنية، وكذلك من قبل الأندية والاتحادات، وهو ما سنتطرق إليه في مقالات مستقبلية لتشمل الفرص والطموحات التي نتطلع لبدء نضجها محلياً، تمهيداً لتعزيز التكاملية الاحترافية في القطاع الرياضي، ويشمل ذلك السماسرة الرياضيين ومديري الأعمال ومكاتب تمثيل الرياضيين.

مستشار تحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر