مساحة حرة

رحلة التوطين

فيصل محمد الشمري

إن مساعي الحكومة المستمرة لتطوير القطاع الخاص ودعم ريادة الأعمال والتحول للاقتصاد المعرفي، رحلة شاقة وصعبة لم تألُ فيها الحكومة جهداً لتنويع مصادر الدخل وتحقيق نقلة اقتصادية نوعية، لايزال يعرقلها تحديات متنوعة من أهمها دمج المواطنين وتأهيلهم لمتطلبات السوق وقطاع الأعمال.

- مساعي الحكومة لدعم ريادة الأعمال تعرقلها تحديات متنوعة، أهمها دمج المواطنين وتأهيلهم لمتطلبات السوق.

ويتموضع ملف التوطين بين طاحونة التنظيم ورحى الحوكمة، ولعل أهم ما قد يحقق بعض النتائج المرجوة، نشر تقارير خاصة بالشركات الوطنية العملاقة وخاصة المرتبطة بالطاقة أو الاتصالات أو البنوك أو حتى الشركات شبه الحكومية، والتي ترى الربحية في نشراتها وتقاريرها المالية تراوح بين الـ7 و10 أصفار، تبارك الله.

إن استقطاب الكفاءات الأجنبية أمر محمود وواجب ويسهم في تعزيز الثقة باقتصادنا الوطني، لكن وكما نعلم أن لكل «قاعدة شواذ»، لم نشاهد أي إجراء إزاء ترقية مدير إدارة في بنك تجاري لرئيس تنفيذي في مصرف إسلامي، اندمج تحت البنك الأول، بما يعادل أربع ترقيات وتطرقنا له في مقال سابق! ولم نسمع عن أي تبرير لترقية سحرية كأن يكون المعني مثلاً مسؤولاً عن تعويض واستعادة الديون المعدومة والتي تبخرت، لتسبب سلسلة خسائر لم نشهدها إلا من كبار المتعاملين من جنسية آسيوية معينة، احتكر مواطنوهم وظائف قطاعات معينة في البنوك منها التقنية والأمنية والاجتماعية، أو سكرتيرة تنفيذية نالت من الترقيات ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. ولإسكات المعترضين ممن لم يشموا رائحة ترقية لسنوات طوال، نقلت لشركة أخرى موازية.

إن لجوء بعض البنوك لتعهيد بعض الوظائف للخروج من دوامة نظام النقاط الخاص بالتوطين أو الرضوخ لدفع الغرامات دون مساءلة حقيقية للإدارات التنفيذية في هذه البنوك من مجالس إداراتها أو من الجهات الرقابية الأخرى كدوائر التنمية الاقتصادية أو أسواق الأوراق المالية المعنية؛ أمر غير مُجدٍ.

وهذا النوع من التهرب من تنفيذ تشريعات سيادية، يستوجب قرارات غير مسبوقة مثل أن يتم خصم مبالغ هذه الغرامات من مخصصات ومكافآت الإدارات التنفيذية ومجالس الإدارات، وفي حال استمرار فشل بعض مجالس الإدارات في تحقيق مستهدفات التوطين، يفضل استبدال بعض الوجوه التي لا تسمن ولا تغني من جوع، والتي مللنا رؤية أسمائها تتكرر في مجالس عدة، دونما صوت أو بصمة حقيقية تلامس شغاف متطلبات ومسؤوليات وطنية نأمل أن تتحول لواقع ملموس.

كما أن دور جهات رقابية أخرى مثل مجلس الأمن السيبراني وغيره من الجهات ذات الطابع الرقابي، لابد أن يكون لها اليد العليا في توطين وظائف وقطاعات تقنية وأمنية حساسة في كل الشركات الكبرى حكومية أو شبه حكومية أو مسجلة في أسواق المال، خصوصاً مع تكرر حوادث ودروس مستفادة في دول أخرى لموظفين اختلسوا أو تواطأوا في اختلاس وسرقة وتزوير وتزييف، أو تسهيلات احتيالية، ولا ندعي العصمة للمواطن، لكن هذه الوظائف إلزامية التوطين في العديد من الدول لما لها من أهمية في تعزيز الأمن الاقتصادي.

ولأن التجربة أثبتت ندرة وقوع هذا النوع من الجرائم من قبل مواطن، كما أن رقابة الإدارات التنفيذية للمواطن عادة ما تكون «مايكروسكوبية»، الأمر الذي يحد من احتمالية وقوع أي تجاوز.

إن بناء مهارات السوق ومتطلبات وظائف المستقبل أمر لا يقتصر على الجهات الحكومية وحدها، وتحويل ملف التوطين ومؤشراته للجهات المحلية أمر عملي وواقعي يجب أن يصاحبه ممكنات أخرى، فمثلاً لمَ لا يتم إلزام الشركات التي تحقق أرباحاً وعوائد تزيد على المليار بتوطين 20% من كوادرها أو أن تسهم بـ20% من مخصصات ورواتب من تم تعيينهم كل عام من الأجانب لتمويل برامج تأهيل وتدريب المواطنين الباحثين عن عمل؟ كما نأمل أن نرى القائمة البيضاء للشركات المالية والبنوك الملتزمة بنسب التوطين، والقائمة الأخرى لغير الملتزمين ونسب عدم الالتزام، على أن تكون تنازلية الترتيب، حسب الأقل التزاماً.

الوطنية وحس المسؤولية والانتماء لا تقتصر على حاملي الجنسية فحسب، بل تشمل الجميع من مقيمين أو مواطنين، وارتفاع أو انخفاض نسب البطالة مسؤولية جميع متخذي القرار مواطنين كانوا أم لا، لنبدأ في حوكمة التزام الشركات الضخمة وخاصة شبه الحكومية أو المسجلة في أسواق المال بما يتعلق بالتوطين، ولنربط أداء مجالس الإدارات بهذا الملف، ونرَ شفافية تقارير منشورة عن الوظائف الجديدة التي تم التعيين عليها ونسب التوطين بها، ولتكن المواطنة الإيجابية حساً بالمسؤولية إزاء وطن أنعم الله علينا به.

مستشار تحول رقمي ومحاضر وخبير تميّز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر