صناعة التعليم

«البيرسونا الاحترافية»

د. عبداللطيف الشامسي

العالم اليوم بات يخاطب أصحاب المهارات، بعد أن أصبحت المهارات تنافس الشهادات الأكاديمية، فالعديد من المؤسسات العالمية تتوجه لتوظيف من يحترفون المهارات وأصحاب المواهب الفذة، دون النظر لشهاداتهم مثل شركات (GOOGLE, APPLE, IBM) وغيرها، وهذا التوجه يتناغم مع طبيعة جيل اليوم «Generation Z» ممّن ولدوا مع التطور الرقمي وبرعوا في استخدام التكنولوجيا التي فتحت أمامهم فرصاً متنوعة لاكتساب المعارف والمهارات، وانعكس ذلك في نجاح طلبتنا من هذا الجيل في تحقيق التحول السريع نحو التعلّم عن بُعد، واستكمال العام الأكاديمي الحالي مدعومين بمهاراتهم الرقمية.

إذاً واقع المتغيرات العالمية وإيماننا باختلاف سمات جيل اليوم عن السابق، حتم علينا ابتكار فكر جديد حول كيفية إعداد الكوادر البشرية للمستقبل، أطلقنا عليه «بيرسونا المستقبل» «Future Persona»، والذي يقدم صياغة متكاملة لسمات إنسان المستقبل بثلاث مكونات أساسية تشمل: بيرسونا رقمية، وبيرسونا احترافية، وبيرسونا ريادة الأعمال.

وفي أعمدة سابقة طرحت مفهوم «بيرسونا المستقبل» وخصصت مساحة للبيرسونا الرقمية كواحدة من سمات شخصية طلبة المستقبل، والمعنية بالبناء والإعداد الرقمي لطلبتنا وتمكينهم وفق منظومة مهارات رقمية مدروسة تتماشى مع المعايير العالمية، واليوم أتناول «البيرسونا الاحترافية – Professional Persona»، وهي سمة أخرى أساسية في بناء الشخصية المستقبلية، والسؤال هنا متى وكيف نبني هذه السمة في طلبتنا؟

إن عملية بناء «البيرسونا الاحترافية» تتمحور حول تمكين الطلبة من المهارات الاحترافية بجعلها جزءاً من منظومة التعليم، خصوصاً في المرحلة الجامعية، ويتحقق ذلك من خلال ثلاثة عوامل أساسية: (1) تضمين الشهادات الاحترافية العالمية «Professional Certification» ضمن المناهج الدراسية، بما يمكّن الطلبة من تلقي المبادئ الأساسية لهذه الشهادات خلال سنوات الدراسة واستكمال متطلباتها من الخبرة الوظيفية في سوق العمل أثناء الدراسة أو بعد التخرج، ليصبحوا محترفين مرخصين ومعتمدين. (2) تطوير برامج التدريب العملي، بحيث تسمح للطالب بالقيام بمهام وظيفية حقيقية في مؤسسات العمل، خصوصاً القطاع الخاص بما نسميه «الطالب الموظف»، وهذا سيعزز مهاراته الوظيفية ويربطه بواقع سوق العمل. (3) ربط السلم التعليمي بالسلم الوظيفي، من خلال ربط التدرج في الحصول على الدرجات العلمية (من الدبلوم الى الماجستير) بالخبرة العملية بما لا يقل عن عامين بين كل درجة وأخرى، ما سيصقل المهارات ويدعم الخبرات العملية.

إذاً تمتّع الطلبة بالشخصية الاحترافية سيضمن لنا: جودة المخرجات ودعم جاهزية الخريجين في التعامل مع المتغيرات الوظيفية، ومواكبة المستجدات في المهارات العالمية لأي قطاع أو تخصص، ويمكننا اليوم أكثر من ذي قبل إدراك أهمية المهارات للمستقبل ونحن نعايش التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها العالم من جراء فيروس «كوفيد-19»، والتي خلقت ملايين العاطلين ممّن فقدوا وظائفهم نتيجة لذلك، وبالتأكيد فإن أصحاب المهارات الاحترافية والمواهب لن يفقدوا وظائفهم أو في أقل تقدير سيكون لديهم فرص للعمل أفضل من غيرهم.

خلاصة القول إن الإعداد المهاري الاحترافي سيسهم في دعم الاقتصاد الوطني، ورفع كفاءة الإنتاج، وجعل خريجينا أكثر استعداداً ليس لوظائف لم توجد بعد فقط، بل لتحديات لم تُخلق بعد.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


عملية بناء «البيرسونا الاحترافية» تتمحور حول تمكين الطلبة من المهارات الاحترافية.

تويتر