صناعة التعليم

إرباك التعليم

د. عبداللطيف الشامسي

اقتربنا من نهاية العام الأكاديمي 2019/‏‏2020، ومن عبور هذه المرحلة الاستثنائية بتحدياتها التعليمية، وقد مكّنا طلبتنا من إتمام السنة الدراسية بنجاح، وما حققناه من مكتسبات جعلنا على ثقة بأن التعليم دخل مرحلة جديدة من اليوم، ولن يعود لما كان عليه قبل عدة أشهر، وبدأنا فعلياً التخطيط للتعليم ما بعد «كوفيد-19».

الجاهزية التكنولوجية دعمت استمرار الدراسة، لكنها في الوقت ذاته أحدثت إرباكاً في التعليم (Disruption)، فسرعت من تطبيق الخطط المستقبلية، وخلقت الفرصة التي طالما انتظرها هذا الجيل للتحول من التعليم النمطي إلى التعلّم الرقمي بشكل متكامل وفعّال، فهذا الإرباك فرض إعادة صياغة منظومة التعليم وتحويلها إلى منظومة «هجين» تجمع ما بين: التعليم النمطي (في المباني) والتعلّم عن بُعد، بما سيحقق العديد من الأهداف والإنجارات. إذاً، لماذا منظومة التعليم «الهجين»؟ وكيف سنحققها على أرض الواقع؟

منظومة التعليم «الهجين» جاءت نتاجاً لما حققه «التعلم عن بُعد» من نجاح فرضه خياراً تعليمياً منسجماً مع طلبتنا، خصوصاً من هم في المراحل العليا والجامعية، كما سرع من انتقال أعضاء الهيئة التدريسية لمرحلة «المعلم الرقمي» التي كنا نسعى إليها، ومنح المدارس والجامعات (حكومية أو خاصة) الفرصة لإعادة تقييم قدراتها التكنولوجية وتطويرها للمستقبل.

الآن لو تصورنا مؤسساتنا التعليمية مع تطبيق منظومة التعليم «الهجين»، فإننا سنفتح المجال لتطبيق التعلم عن بُعد والتعليم النمطي (داخل المباني) معاً لكن بشكل مدروس، من خلال خمسة عوامل: 1- تقليل حضور الطلبة للحرم الجامعي، خصوصاً على مستوى الدراسة النظرية، وذلك بعد تحديد نسبة المحتوى النظري للعملي لكل مادة على حدة، مقابل إفساح المجال لقبول أعداد أكبر من الطلبة، لأن الأمر لن يرتبط بالطاقة الاستيعابية للمباني، 2- التوجه إلى إعادة هيكلة المباني التعليمية لمصلحة الدراسة التطبيقية، بتوظيف المساحات للتدريب العملي والمختبرات، 3- إعطاء أهمية خاصة لتوجيه الطلبة نحو الابتكار وريادة الأعمال اللذين يمثلان ركيزة مهمة للمستقبل لمواجهة التحديات ودعم الاقتصاد، 4- مراجعة البرامج والتخصصات لتتناسب مع القطاعات الحيوية المتوقع نموها، وطبيعة المتغيرات الوظيفية ما بعد «كوفيد-19»، منها مجالات العلوم الصحية والتكنولوجيا المتقدمة والتقنيات الحيوية المرتبطة بالأمن الغذائي وعلوم الكمبيوتر، والمعلومات والأبحاث التطبيقية وغيرها، 5- إتاحة فرصة استقطاب خبراء ومختصين للتدريس عن بُعد من مختلف الدول، خصوصاً في المجالات الدقيقة والمهمة، دونما حاجة إلى استقدامهم للدولة، ما سيوفر كفاءات بكلفة أقل.

إذاً «إرباك التعليم» بالمفهوم الإيجابي يعني ما أحدثه التحول التكنولوجي من تغيير في مسيرة التعليم بتطبيق «التعلم عن بُعد»، وجعل من منظومة التعليم «الهجين» متطلباً فرض علينا إعادة هيكلة جديدة للتعليم ستعزز من الكفاءة في الأداء، والجودة في المخرجات، وستدعم ترشيد الإنفاق بالتعامل الذكي مع الموارد المالية والبشرية والإجراءات الإدارية، كما ستسهم في خلق التنافسية بين مؤسسات التعليم، بما سيعود بالفائدة على الطالب بخيارات تعليمية متنوعة، تجعل التعليم أكثر متعة وأقل كلفة، وبذلك سنكون أكثر جاهزية للتعامل مع أي مستجدات أو احتياجات للعام الأكاديمي المقبل.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .


الجاهزية التكنولوجية دعمت استمرار الدراسة.

تويتر