صناعة التعليم

«البيرسونا» الرقمية

د. عبداللطيف الشامسي

التعلم عن بُعد خيار رقمي، فتح أبوابه أمام طلبتنا في ظل الظروف الاستثنائية الحالية، ليمكنهم من مواصلة عامهم الأكاديمي دون انقطاع، لكن هذا الخيار ليس مؤقتاً ويجب ألا يرتبط في أذهاننا بفكرة «العزل المنزلي»، بل على العكس تماماً، هو الفرصة المنتظرة لجيل اليوم للخروج من حدود القاعات الدراسية، وتلقي تعليمه كخدمة تصله متخطية حدود الزمان والمكان، ونجاحنا في الاستفادة من هذه الفرصة، يؤكد أنها لم تكن وليدة اللحظة، بل نتاج جاهزية مسبقة لتحقيق هذه النقلة النوعية في التعليم، والظروف الحالية ما هي إلا مسرعات لحدوثها، ولو نظرنا إلى المرحلة المقبلة بعد أن تعود الحياة لطبيعتها، سنجد أن التعلم عن بُعد سيفرض نفسه خياراً تعليمياً يمكن الجمع بينه وبين التعليم النمطي (داخل الفصل الدراسي) كنموذج «هجين».

إن المستقبل القريب سيشهد تغيراً يتماشى مع طبيعة هذا الجيل الشغوف بالتقنيات، ومن المهم أن نبحث ونطوّر في الفكر والرؤى حول كيفية إعداده للتعامل مع متغيرات هذا العصر، وقد تناولت في عمود «صناعة التعليم» الأسبوع الماضي مفهوماً جديداً هو «بيرسونا المستقبل 4.0»، والذي تحدثت من خلاله عن صياغة فكرية تتعلق بكيفية إعداد طلبتنا للمستقبل، وهو مفهوم يعني مجموعة السمات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الطلبة من جيل الثورة الصناعية الرابعة، والتي تشمل «بيرسونا رقمية» و «بيرسونا احترافية» و«بيرسونا ريادة الأعمال»، وهي تتكامل معاً تدريجياً في كل مرحلة تعليمية للوصول إلى شخصية المستقبل.

وبنظرة متأملة للواقع اليوم نجد أن نجاح الانتقال لمرحلة التعلم عن بُعد أساسه الطلبة أنفسهم، الذين تعاملوا بنجاح مع هذا التغيير، كل وفق خبراته التقنية؛ تلك التي تلقّى جزءاً منها في المؤسسة التعليمية والأغلبية تعلمها في حياته اليومية بالفضول والاهتمام والبحث. إذاً نحن اليوم بحاجة لما أُسمّيه «البيرسونا الرقمية -Digital Persona» المعنية بالبناء والإعداد الرقمي لطلبتنا الذين يمثلون جيل الثورة الصناعية الرابعة، بمعنى تمكينهم من التكنولوجيا وفق منظومة مهارات رقمية موضوعة بشكل مدروس وموجه لكل مرحلة تعليمية وفق احتياجاتها وتماشياً مع المعايير العالمية.

إن بناء هذه السمة الرقمية وتعزيزها في طلبتنا، سيسهم في ردم فجوة الفروق في القدرات الرقمية بين الطلبة، ومن خلال إدراكنا كمؤسسات تعليم للرؤى الوطنية الطموحة والمستجدات في المهارات العالمية والتحديات الوظيفية، تكون مسؤوليتنا كبيرة في تحقيق هذا الإعداد الرقمي للطلبة وإعادة توجيه عقولهم ومهاراتهم وفق إطار من المهارات العالمية يجعل منهم طلبة رقميين بامتياز، في ظل مستقبل واعد لأصحاب المهارات والمواهب.

إن «البيرسونا الرقمية» سمة يجب أن نمكّن منها مواردنا البشرية في مرحلة الإعداد للمستقبل، ودعم استثمار كل أشكال التكنولوجيا في التعليم كالذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والتطبيقات الذكية، التي ستمكّن الطلبة من الإبداع والابتكار عبر التكنولوجيا المتقدمة، والأهم من ذلك، أن هذه السمة الرقمية، تضمن للطالب بعد التخرج أن يكون محترف تعلم (Professional Learner) قادراً على استثمار قدراته الرقمية في التعلم المستمر ودعم تطويره المهني.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر