«صناعة التعليم»

«بيرسونا المستقبل 4.0»

د. عبداللطيف الشامسي

تعلّمنا من التحديات ألّا نراهن على الزمن، بل على الإنسان، وفي عصر الثورة الصناعية الرابعة عندما نتحدث عن تحدياتها التكنولوجية والتنافسية والريادة وصناعة المستقبل، فإننا نتحدث عن إعداد الإنسان لمواجهة ذلك بنجاح، تعلّمنا أيضاً ألّا ننتظر الغد فما نراه مستقبلاً بعيداً قد يصبح حاضراً بين لحظة وأخرى، وكما شهدنا في الظروف الاستثنائية التي نعيشها والعالم أجمع اليوم، أن النجاح والانجاز اعتمدا على الانسان ومدى جاهزيته للتغيير.

الجميع يُجمع أن إعداد الموارد البشرية يرتبط دائماً وبشكل مباشر بمؤسسات التعليم، وضرورة أن تمتلك هذه المؤسسات رؤى قادرة على تهيئة الطلبة لوظائف ومستقبل مملوء بالتحديات، فالثورة الصناعية الرابعة والتطورات التكنولوجية الهائلة، خصوصاً على مستوى الذكاء الاصطناعي، أحدثت ما يسمى «إرباكاً تكنولوجياً» بدخول التكنولوجيا الى عالم الصناعة بقوة، فانهارت أسواق وظهرت أخرى، وانعكس ذلك على الوظائف، وهذا أحدث بالمقابل إرباكاً في التعليم ولكن - بالمعنى الإيجابي للكلمة - حيث فرض هذا الإرباك على مؤسسات التعليم إعادة النظر في كيفية إعداد الموارد البشرية، بعد أن أصبحت المهارة والموهبة تنافس الشهادة الأكاديمية.

إن مراقبة المتغيرات والتطورات والتحديات، أوصلتنا لصياغة فكر جديد في إعداد الكوادر البشرية للمستقبل، وهو ما أطلقت عليه بيرسونا المستقبل 4.0 «Future Persona 4.0»،وهذا مصطلح جديد أقصد به «سمات إنسان المستقبل»، بمعنى مجموعة السمات الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الطالب من جيل الثورة الصناعية الرابعة، وتشمل «بيرسونا المستقبل»: «بيرسونا رقمية» و«بيرسونا احترافية» و«بيرسونا ريادة الأعمال»، وتُبنى هذه السمات الرقمية والاحترافية وريادة الأعمال جميعها بشكل تدريجي وتكاملي، وكلما بدأ هذا البناء والإعداد في مراحل تعليمية مبكرة، أسهم ذلك في تعزيز بناء الشخصية المستقبلية التي نطمح لها، والقادرة على الابتكار وتوظيف مهاراتها بنجاح في الحياة المهنية وصناعة فرصها لا انتظارها.

وبتوضيح سريع، فإن «البيرسونا الرقمية» هي سمة تعكس أهمية تمكين طلبتنا من المهارات التكنولوجية، بمعنى الإعداد الرقمي لهذا الجيل الشغوف بالتقنيات والمرحب بها في حياته، و«البيرسونا الاحترافية» سمة ثانية تعني تمكين الطلبة من المهارات وباحترافية عالية تربطهم بالمستجدات العالمية، أما «بيرسونا ريادة الأعمال» فهي السمة الثالثة لاستكمال «بيرسونا المستقبل 4.0»، وهي تأتي نتاج للسابق، فعند تمكين الطلبة من تطبيق المهارات الرقمية والاحترافية فإننا نبني لديهم تلك الشخصية القادرة على البحث والتحليل وايجاد الحلول المبتكرة للمشكلات والتحديات لتصاغ وتتبلور تلك الأفكار المبتكرة والقابلة للتطوير في صورة منتجات ومشروعات ذات جدوى اقتصادية.

«بيرسونا المستقبل» رؤية واسعة وفكر قابل للتطوير وفق المتغيرات والتحديات، وهي نموذج تعليمي يؤمن باختلاف جيل اليوم وبقدراته وبضرورة استثمار ذلك بشكل صحيح يفضي الى مخرجات احترافية مهنية قادرة على التعلم المستمر، وتطوير ذاتها، للتوافق مع احتياجات قطاعات العمل والتنمية الاقتصادية.

إن ما يميز عملية بناء الإنسان أنها عملية ديناميكية لا تتوقف، ولا تقاس بزمن، بل هي فكر وجهد مستمران بلا حدود. ولنا مزيد من الحديث حول «بيرسونا المستقبل 4.0».

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 


«بيرسونا المستقبل» رؤية واسعة وفكر قابل للتطوير وفق المتغيرات والتحديات.

تويتر