كـل يــوم

إعادة تخطيط قطاع الزراعة.. ضرورة لا اختيار!

سامي الريامي

في تقريره حول «حماية الأمن الغذائي في مواجهة كوفيد-19 وما بعده»، أكد «مرصد المستقبل»، أن الأزمة الحالية أظهرت مدى اعتماد الأمن الغذائي على سلسلة توريد معقدة ومترابطة جداً، وغير محصنة لمواجهة الكوارث. وستكون الاقتصادات والصناعات المعتمدة على الاستيراد، والتي تعتمد على أسواق أحادية المصدر، معرضة للخطر أكثر من غيرها!

ومن الواضح جداً، أننا وغيرنا الكثير من دول العالم، لا نخرج من إطار هذا الاعتماد على الأسواق الخارجية، لذا فنحن الآن في أمس الحاجة وبشكل ضروري، وليس اختيارياً، إلى إعادة النظر في استراتيجياتنا وسياساتنا الزراعية، فالوباء سيجبرنا على استخلاص الدروس، ووضع استراتيجية جدية التنظير والتنفيذ، لتأمين الاستقلال الغذائي، أو تقليل الاعتماد قدر الإمكان على الاستيراد بنسبة كبيرة خلال المستقبل المنظور.

الإمارات تمتلك المقومات كافة، لتوفير أفضل السلع الاستهلاكية على مدار العام، بسبب وجود كوادر وطنية تمتاز بالخبرة والكفاءة، وهذا أمر واضح وملموس، وشعرنا به جميعاً في هذه الأزمة الصعبة، لكنها في الوقت نفسه، تمتلك مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية غير المستغلة، وعلى سبيل المثال في إمارة أبوظبي وحدها يوجد 24 ألف مزرعة، المستغل منها أقل من 1000، ولاشك أن الرقم سيزيد بشكل كبير، مع إضافة بقية الإمارات!

وهذا يدل على عدم وجود مشكلة حقيقية في الأراضي الزراعية، خصوصاً مع تطوّر التقنيات والأشكال والأساليب الزراعية بشكل مذهل، ولكن تكمن المشكلة في عدم وجود خطة زراعية محدّدة وواضحة، لكل موسم، لإنتاج الخضار والفواكه الموسمية، ولا توجد خطط وإجراءات حقيقية، لتأهيل ودعم ملاك الإبل والمواشي والدواجن، تمكنهم من زيادة معدلات إنتاج الألبان واللحوم والدواجن، كل ما هو موجود محاولات فردية، أو شركات شخصية، تعمل بطرق منفردة غير ممنهجة، ولا تخضع لخطط واستراتيجيات واضحة!

ومن ناحية موارد المياه والمخزون الاستراتيجي وهو أهم عامل لنجاح الزراعة، فجميعنا يعلم أن الدولة تضم أكثر من 100 سد، لكنها ليست جميعها مستغلة بشكل صحيح، وللأسف اتجهت بعض الجهات إلى إنشاء مشروعات سياحية بالقرب من السدود، وهذا مخالف لنظم البيئة، وكان الأجدى والأفضل استغلالها لإنشاء مشروعات زراعية، تُساعد على زيادة الإنتاج من خلال استغلال مياه السدود، وأفضل مثال يوجد في منطقة الشويب بين مدينة العين وإمارة دبي، حيث تم تخصيص مزارع نموذجية بالقرب من السد، لضمان ديمومة تلك المشروعات، وحصولها على القدر الكافي من المياه، بفضل تجميع مياه الأمطار.

لدينا إمكانات عديدة، تؤهلنا لوضع خطة متكاملة للتركيز على القطاع الزراعي، وقطاع المواد الغذائية وإنتاج اللحوم والألبان، ولدينا سوق تستوعب ذلك، كما أن هناك أساساً يمكن البناء عليه، ويمكن استخدام جزء كبير من «الغابات» التي يتعدّى عددها 100 غابة لإنتاج العسل، في جميع المواسم، وأهمها السدر والغاف والسمر، وهناك تجارب إماراتية ناجحة ومميزة وحازت جوائز عالمية، في مجال إنتاج العسل الطبيعي فائق الجودة.

كما أن هذه الغابات تصلح كمراعٍ طبيعية للمواشي، ما يسهم في إنتاج اللحوم، فالرعي في الغابات، يساعد على التقليم، وتوفير المادة العضوية للأشجار عن طريق مخلفات المواشي، وثبت ذلك من خلال تجربة تربية قطيع من الغزلان، فكانت النتيجة إيجابية في رفع مستوى خصوبة الأرض، وتوفير في العمالة لتقليم ورعاية الأشجار!

لدينا الأساس، ولدينا الإمكانات، ولدينا الكفاءات، ولكن نحتاج إلى مزيد من التخطيط الجيد، والتدخل الحكومي لدعم القطاع الزراعي، شريطة أن يكون هذا الدعم مرهوناً بخطط الحكومة في توزيع المحاصيل المطلوب إنتاجها، لتعمل جميع المزارع وفقاً لمنهج التكامل لا التنافس، فالتنافس في الزراعة يؤدي إلى طريق واحد، خسارة الجميع وضياع المحصول!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر