5 دقائق

صناعة التعليم احتراف التعلم

د. عبداللطيف الشامسي

«احتراف التعلم»، ربما يستغرب البعض هذا المفهوم الجديد، فاحتراف الشيء يدل على الإتقان والتمكن وحتى الاستمرارية، وهذا بالضبط ما نقصده بهذا المصطلح، بمعنى أن الفرد يمتلك القدرة على التعلم بشكل احترافي ومستمر، ولكن كيف ومتى يصل الفرد إلى هذه الاحترافية في التعلم؟ وهل يمثل أمراً مستقبلياً؟

- الإنسان الذي نريده للمستقبل هو «محترف التعلم».

أؤكد بداية أن العصر التكنولوجي المتسارع الذي نعيشه، وفكر قيادتنا الحكيمة، علمانا أن الرهان الحقيقي هو الإنسان، لأن كل شيء قد يتغير في لحظة وما نراه مستقبلاً قد يتحول إلى واقع في أي لحظة، وهذا ما يدعونا دائماً إلى إعداد الإنسان ليكون مستعداً بالمعرفة والمهارة للتعامل مع المتغيرات.

والإنسان الذي نريده للمستقبل هو «محترف التعلم»، بمعنى أن يصل إلى مرحلة متقدمة في بناء معرفته في ما نسميه «احتراف التعلم»، الذي يعكس كيفية اكتساب الإنسان للمعرفة والمهارة بالاعتماد على ذاته، ولو لاحظنا سريعاً كيفية تطور مراحل التعليم، فمن مرحلة التعليم القائم على التلقين (الدور الأساسي للمعلم) إلى التعليم «التفاعلي» (الدور مشترك بين المعلم والطالب)، ومن ثم التعليم الذي يركز على بناء المعرفة، وتمكين الطالب من مهارات القرن الـ21 والتي تجعله أكثر قدرة على التفكير الخلاق والتحليل وحلّ المشكلات وغيرها، بمعنى دور أكثر فاعلية للطالب، مع الإشارة إلى أن هناك مراحل من التعليم بقيت لسنوات طوال حتى تغيرت، بخلاف ما يحدث اليوم مع التطور التكنولوجي، وتغير طبيعة الجيل الذي يتلقى التعليم، والدليل أن ما بنيناه من مهارات لدى الطلبة، ورهاننا على جيل اليوم كان صحيحاً، ورأيناه جلياً في التحول نحو تطبيق «التعلم أونلاين»، ونجح طلبتنا في مواكبة هذا التحول كونه خاطبهم بلغة التكنولوجيا وأدواتها التي تمثل لغتهم وشغفهم، وهذا هو الجيل الذي أقصده في حديثي عن مفهوم «احتراف التعلم».

فالطالب اليوم - الذي أصبح التعليم خدمة تصله أينما كان، ونجح في مواصلة دراسته «عن بُعد»، وفق الخطة الدراسية الموضوعة له بنجاح - سيتطور دوره مع هذا التحول من خلال المهارات التكنولوجية التي يمتلكها، والتي أصبح يستثمرها في التعلم عن بُعد، والتي ستمكنه مستقبلاً من «احتراف التعلم»، حيث سيكون قادراً على تقييم قدراته وبناء أهدافه المعرفية والتخطيط لتطوير ذاته بشكل مستمر فيما نسميه «التعلم مدى الحياة»، بمعنى أن تعليمه لن ينحصر في خطة دراسية موضوعة من جامعته، التي لم تعد مزود الخدمة التعليمية الأوحد بالنسبة له، بل إن الطالب بمهاراته سيكون «محترف التعلم» وقادراً على الاستفادة من العديد من المؤسسات التعليمية التي تقدم خدماتها «أونلاين»، بما يمكنه من تطوير ذاته، وبهذا يدرك الطالب أن الشهادة وسيلة وليست هدفاً بحد ذاتها، ما يعني أن التعلم عملية مستمرة تتجاوز حدود الشهادة التي تمثل وسيلة يسعى من خلالها «محترف التعلم» إلى بناء رصيده المعرفي المُعتمد ليدعم تطوره المهني.

إن التعليم سيتطور بشكل مذهل مواكباً الثورة التكنولوجية وطبيعة جيل اليوم (جيل الثورة الصناعية الرابعة)، وهذا يتطلب أن نكون مستعدين لما بعد البُعد.

Abdullatif.alshamsi@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر