5 دقائق

العالم ما بعد «كورونا»

الدكتور علاء جراد

أياً كان حجم الخسائر والضحايا التي سيخلّفها «كورونا»، فسيمر هذا الوقت العصيب الذي تعيشه البشرية جمعاء، فالأوبئة قديمة قدم التاريخ، فقد خلّف طاعون جستنيبان، بنهاية عام 750م، من 30 إلى 50 مليون شخص، أي ما يقارب نصف سكان الأرض في ذلك الوقت، وبنهاية عام 1351م كان الطاعون الأسود قد حصد أرواح 25 مليون نسمة، وفي عام 1919 قتلت الإنفلونزا الإسبانية 50 مليون شخص. لكن يبدو أنه بسبب نسيان التاريخ وتباعد المدد الزمنية تنسى البشرية دروسها، وبالتالي فالأخطاء تتكرر، وتتشابه تصرفات البشر في مختلف بقاع الأرض، فقد هرع الناس إلى التسوق العشوائي والتخزين المدفوع بالهلع في كل الدول، سواء دول العالم الثالث أو العالم الثاني، بل إن دول العالم الأول، خصوصاً في أوروبا وأميركا، كانت الأسوأ، ولم تُجدِ معها أي حملات توعية.

اللافت للنظر، والدرس الأكثر أهمية، موقف دول أوروبا من شعوبها ومن جاراتها في الاتحاد الأوروبي، فشعوب أوروبية كثيرة صُدمت بحكوماتها العاجزة وغير المستعدة، وانكشف الكثير من العورات، ولم تُجدِ الوحدة الأوروبية نفعاً حقيقياً للدول الأعضاء، وفي بريطانيا كل ما قامت به هيئة الصحة هو نصح الناس بغسيل اليدين والبعد عن الاختلاط، لكن لم تكن لديها السعة الكافية للرد على التليفونات أو استقبال أي حالات مشتبه في إصابتها، بل إن الخدمات الأساسية العادية أصبحت غير متاحة، وتصرف الناس وفقاً لغريزة البقاء فقط.

أتمنى أن نستغل جميعاً هذه الأزمة ونستفيد بها الاستفادة القصوى، فعلينا كأفراد أن نستفيد بهذا الوقت الذي اكتسبناه للعمل من المنزل، بأن نقضي وقتاً كافياً مع أحبائنا ونعيد أواصر الود التي قطعتها وسائل التواصل الفاشلة، كما يمكن الاستفادة من ذلك الوقت بإكمال المشروعات التي أجلناها حتى يحين الوقت المناسب، كما يمكن تعلم لغة جديدة، وهناك الكثير من التطبيقات التي تساعد في ذلك. وعلى مستوى الشركات والأعمال، يمكن استغلال الوقت في إعادة ترتيب الأولويات واستنباط أساليب عمل جديدة، أما المؤسسات التعليمية فقد وجدت نفسها بالفعل في البحر، ومطلوب منها السباحة والنجاة، وبالتالي فهي فرصة لإعادة اكتشاف أهمية التعلم عن بعد، واكتشاف أساليب تعلم جديدة ومبتكرة، وأتمنى على مستوى صانعي السياسات البدء في سنّ تشريعات وسياسات تتواءم مع عهد ما بعد «كورونا»، وتخصيص الميزانيات اللازمة للعهد الجديد، لأن العالم لن يعود أبداً لما كان عليه.

وأخيراً، أتمني أن يتحرى كل منا مصادر الأخبار التي يشاركها عن هذه الأزمة، ويلتزم بتعليمات السلامة لكي نتمكن من تخطي هذه الأزمة.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 


شعوب أوروبية كثيرة صُدمت بحكوماتها العاجزة وغير المستعدة.

تويتر