5 دقائق

وزارة الشركات الناشئة

الدكتور علاء جراد

في حوار مع صديقي خالد خلاف، رئيس إحدى الشركات الناشئة الناجحة، حدثني عن كوريا الجنوبية، حيث كان في زيارة عمل لأكبر وادي سيليكون في آسيا، وكان انبهاره بها غير عادي، ما جعلني أبدأ رحلة بحث عن هذه الدولة ذات الـ51 مليون نسمة، التي كان من الممكن أن تكون مثل اختها في الشمال لولا الرؤية والعمل الجاد والحرية وتقدير قيمة الإنسان. بداية فالتركيبة السكانية كانت متجانسة جداً، أي أنه لا يوجد غير الكوريين وقلة من الصينين، ولكن لاحظت الحكومة أن ذلك يشكل عائقاً للإبداع والابتكار، فقررت الانفتاح أكثر على العالم واستقطاب الكفاءات والخبرات، خصوصاً من الولايات المتحدة الأميركية والصين واليابان، التي كانت العدو اللدود والمحتل الغاصب لكوريا لمدة 26 عاماً، ولكن استطاعت كوريا تخطي الماضي مع الاحتفاظ بحقوقها وانطلقت في رحلة الصعود دون تردد أو كلل.

تمنح كوريا تسهيلات لا تمنحها الولايات المتحدة - ولا أي دولة في العالم - للمبدعين وذوي الأفكار والابتكارات في كل المجالات الإنتاجية والخدمية، مع تركيز أكبر على التكنولوجيا والشركات الناشئة، فهي أول دولة في العالم تنشئ وزارة للشركات الناشئة والصغيرة، فلماذا الشركات الناشئة؟ ببساطة لأن تلك الشركات مدفوعة بشغف روّاد الأعمال، ذلك الشغف هو الكفيل بتغيير العالم ، وتشكل الشركات الناشئة والصغيرة في كثير من الدول ما يزيد على 98%، وبالتالي تعلمت كوريا الجنوبية الدرس وطبقت وتطبق كل يوم ما تعلمته وتتعلم الجديد، الحكومة الكورية هي حكومة متعلمة من الطراز الأول، وهناك تركيز منقطع النظير على شيئين هما التعلم والعمل فقط.

تفتح كوريا أبوابها لكل المخترعين والمبتكرين وذوي الأفكار للتقدم للمسابقة العالمية السنوية الكبرى، التي تعتبر بمثابة الدجاجة التي تبيض اختراعات أغلى من الذهب والألماس، ففي عام 2018 تلقت المسابقة 1771 اختراعاً من 158 دولة، يتم احتضان الفائزين في هذا التحدي العالمي وتبني مشروعاتهم في وادي السيليكون الأكبر في آسيا، الذي يحتوي على 154 مسرّعاً ومركزاً للابتكار، كما يوجد أكبر طابعات ثلاثية الأبعاد يمكنها أن تطبع سيارة أو قارب أو حتى منزل كامل بمنتهى السهولة والسرعة، وربما شاهدتم ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي قريباً، أتمنى أن تكون التجربة الكورية حافزاً لنا في الوطن العربي، لتسخير الموارد المالية اللازمة لاحتضان الابتكارات والاختراعات التي تسهم في تحسين حياتنا، والعودة لما كنا عليه في عصر ابن سينا والخوارزمي وابن النفيس والكثير ممن غيروا العالم.. لدينا كوريا الشمالية بثرواتها الطبيعية المهولة وكوريا الجنوبية بثروتها المعرفية والبشرية.. فأيهما نختار؟

أتمنى أن تكون التجربة الكورية حافزاً لنا في الوطن العربي، لتسخير الموارد المالية اللازمة لاحتضان الابتكارات.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر