درسٌ من أطباء كندا!

سامي الريامي

في خطوة غريبة جداً من نوعها، احتج مئات الأطباء في مقاطعة كيبيك الكندية على رفع أجورهم، قائلين إن رواتبهم عالية جداً ولا تحتاج إلى زيادة.

ووقع أكثر من 700 طبيب في المقاطعة على عريضة احتجاج على الإنترنت، طالبوا فيها الحكومة بإلغاء قرار رفع رواتبهم.

وكتبوا في العريضة: «نحن، أطباء كيبيك، نعارض الزيادات الأخيرة في الرواتب التي تتفاوض عليها الاتحادات الطبية لدينا، ضميرنا لا يقبل أن تزيد أجورنا في حين أن رواتب طاقم التمريض لا زيادة بها، وفي حين أن المرضى يعانون ضعف الخدمات المقدمة لهم».

خطوة قد لا يصدقها كثيرون، لكنها حدثت فعلا، وأعتقد أن الوعي والضمير الحي والإحساس الحضاري الراقي هي أسباب اتخاذ قرار من هذا النوع.

بالتأكيد لستُ مثالياً، ولن أُقارن أو أطالب موظفينا بشكل عام باتخاذ خطوات مماثلة، لأن الرفض والهجوم المضاد هما ردة الفعل المتوقعة، كما أن المقارنة اعتماداً على خبر أطباء كندا فقط، لن تكون عادلة أيضاً، وهناك اختلافات عديدة، لا خلاف على ذلك، لكن دعونا نتفق على أقل تقدير أن المطالبة بالزيادة والترقية هي أكبر همٍّ وصداع يواجهه كل مسؤول، أو رئيس قسم، أو مدير، أو حتى وزير، ليس لأن الرواتب ضعيفة، بل لأن كل موظف يعتقد داخلياً أنه متميز، وأنه يستحق زيادة وترقية دورية بغض النظر عن أدائه، وعن ظروف المؤسسة التي يعمل فيها، وبغض النظر عن أي متغيرات، داخلية كانت أو خارجية!

هناك موظفون يعملون بجد، ومخلصون، ومنتجون، ويستحقون كل خير، وهذا أمر واقعي، لكن هل كل من يؤدي واجباته الوظيفية بإتقان يستحق الترقية والزيادة؟ بالتأكيد لا، لسبب بسيط، هو أن الأصل في تأدية الواجبات الوظيفية أن يؤديها الموظف بإتقان وإخلاص واجتهاد، لأنه يتقاضى راتباً شهرياً نظير هذا العمل، وهذا الإتقان هو جزء من شروط العمل، وبذلك تكون المعادلة هنا صفرية، شيء مقابل شيء دون زيادة أو نقصان. عمل وإتقان مقابل راتب شهري. ولذلك شعر أطباء المقاطعة الكندية بالظلم من قرار الزيادة، فهي كما يقولون مناسبة تماماً للعمل والجهد اللذين يقومون بهما، لذا فلا داعي لزيادة أبداً لأنهم لم يقوموا بأي مجهود إضافي! وهذا ما يغفل عنه كثير من الموظفين بشكل متعمد غالباً، وغير متعمد نادراً!

لابد أن تكون هناك ترقيات وزيادات مالية، ولابد من مكافأة المجتهد، مخطئ من يعتقد غير ذلك، ولكن لكل خطوة من هذه الخطوات قوانين تحكمها، والترقية أو الزيادة أو المكافأة تصرف لمن يتجاوز المطلوب منه، ويتجاوز توقعات مسؤوليه وواجبات وظيفته، ويؤدي مهام إضافية، أدت إلى خلق نقلة نوعية في مجال عمله، مع ملاحظة أن المهام الإضافية لا علاقة لها بمهام عمل الموظف الأساسية التي يتوجب عليه القيام بها كاملة غير منقوصة وبإتقان وإخلاص وتميز.

هذه الفترة بالذات هي فترة الشد والجذب في كل الدوائر المحلية، فهي فترة التقييمات، ولذلك مثل هذه الأمور يجب أن تكون حاضرة في ذهن كل موظف. ولأن نظام التقييم غريب نوعاً ما، ويبدأ من عند الموظف حيث لابد أن يُقيّم نفسه، يعتقد كثيرون أنهم يستحقون الامتياز رغم تواضع أدائهم، والغريب أنه من الصعب جداً إقناعهم بذلك!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر