العظماء لا يمسهم الضّر..

العظماء يظلون عظماء، لا يمسّهم ضرُّ، ولا تطالهم الإساءات، فهم في منزلة عالية مرتفعة، لا يصلها السفهاء، ولا الجهلاء أبداً.. التاريخ علمنا ذلك.

علّمنا أنّ وراء كل عظيم خالد سفيهاً حاقداً، وعلمنا أيضاً أنه يسطّر أسماء العظماء وسيرهم بأحرف من نور، في حين يندثر ذكر من أساء إليهم سريعاً، ويرميهم التاريخ في مزبلته، فلا ذكر لهم، ولا لإساءاتهم، لأنهم لا يعدون أن يكونوا زبداً كزبد البحر!

ولنا في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أسوة حسنة، فهو أعظم من مشى على هذه الأرض، ومع ذلك واجه مواقف متعددة مع سفهاء عصره، لكنه كان دائماً يسبق حلمه على من آذاه، وصبره عليهم، وإعراضه عن سفاهة السفهاء، حتى وصفه من عايشه وتعامل معه، فقال: «يسبق حلمُه جهلَه، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً»، أي يسبق حلمُه وهدوءُه: غضبَه وردةَ فعله السلبية، وكلما زاد أذى الناس له ازداد هو حلماً واستيعاباً لهم، وإعراضاً عن إساءاتهم.

لم يمسوا منه شعرة، ولم تفدهم سفاهتهم، ولا إساءاتهم، ولا كلماتهم المنحطّة والتافهة، فهو سحاب علا فوقهم جميعاً، وهو اسم خالد إلى يوم الدين، وهم اندثروا وبادوا مع البائدين.

هكذا كان جميع العظماء المسلمين، منذ إشراقة شمس الإسلام، يعرضون عن الجاهلين، ويترفعون عن السفهاء، لأنهم تسلحوا بأخلاق قائدهم ومعلمهم وقدوتهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهكذا كانت شخصية المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فهو فارس نبيل، شهم، كريم، عظيم بأخلاقه، وعظيم بسيرته، وعظيم بفعله وقوله، شديد التأثر برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشديد التأثر بأخلاق وقيم العرب الأصيلة، التي تكوّنت منها شخصيته، وظلت متلازمة معه، لم يغيرها زمان، ولم تغيرها حضارة وتطور، ولم يتخلّ عنها طوال حياته، إلى أن لقي وجه ربه وهو عزيز وكريم وشجاع وأصيل ومغيث ومحب للخير.

لن يضرّوه مهما بالغوا في حقدهم وسوء أخلاقهم، لأنهم لن يطالوا منزلته العالية الرفيعة، بل لن يتجاوزوا في منزلتهم وقدرهم ما بين خطوة من خطواته والأرض التي خطا عليها، رحمة الله عليه، فهم ثرى، وهو ثريا، وهو سحاب، وهم مجرد ناعقين، وهو تاريخ عريق، وفعل مجيد، وباب للخير لن تغلقه الأيام، طال الزمن أو قصر، وهم مجرد نكرة ستلعنها الأيام والأجيال مادامت السموات والأرض.

الكلام لا يصنع الرجال، والكلمات المسيئة لا تنقص العظماء شيئاً من عظمتهم، لأن الفعل هو الذي يخلّد سيرتهم، وزايد كان رجل أفعال، رجل عطاء، يعرفه الصغير والكبير، والقاصي والداني، لا يحتاج منا إلى تزكية، ولا تزيده كلمات الثناء والمديح شيئاً، كما لا تنقصه كلمات الجاهلين شيئاً، فهي تسيء لقائليها، وتثبت للعالم مدى نقصهم ووضاعة أخلاقهم، وحجم سفاهتهم، يظنون أنهم أساؤوا إليه، في حين أنهم لم يسيئوا إلا إلى أنفسهم المريضة!

twitter@samialreyami

reyami@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

الأكثر مشاركة