5 دقائق

تأملات في «واتس أب»

عبدالله القمزي

ما الأخبار أو ما الجديد، هما أصعب سؤالين أواجههما، إجابتي دائماً أنني بخير عن الصيغة الأولى من السؤال، ولا جديد بالنسبة للصيغة الثانية. وعندما قررت توجيه السؤال نفسه للأشخاص الذين ألتقيهم وجدت أنهم يردون بإجابتي نفسها. فما السبب؟ هناك تفسيران، الأول أننا لا نعطي السائل أخباراً عنا إلا إذا كانت تحولاً كبيراً في حياتنا، والثاني، وهو الأرجح في هذا العصر، أننا نتحدث مع بعضنا عبر «واتس أب»، وعندما نلتقي وجهاً لوجه لا نجد ما نتحدث فيه.

أصبح تطبيق «واتس أب» أهم شيء نستخدمه في حياتنا، وأهم من كل منصات السوشيال ميديا الأخرى. لا تقل فاتني شيء في وجود «واتس أب». لو كنت لا تقرأ الأخبار ستصلك رغماً عنك في «واتس أب» وعبر أكثر من مجموعة تكون عضواً فيها. ولو كنت تنسى الأيام سيذكرك «واتس أب» رغماً عنك بالعلامة الزرقاء فوق بداية محادثتك ذلك اليوم، وبحلول نهاية الأسبوع ينفجر هاتفك الذكي بفيديوهات «هلا بالخميس» الراقصة، لأننا شعوب تحب الاحتفال بالإجازات، وتنتظر الخميس بفارغ الصبر.

تستمر حفلة «هلا بالخميس» طوال اليوم، وعندما تخلد للنوم فإنك تصحو على رسائل «جمعة مباركة» التي يرسلها إليك محتفلو «هلا بالخميس» أنفسهم بعد انتهائهم من احتفالاتهم، ليدخلوا طقوس التدين والأدعية والحث على قراءة سورة الكهف وساعة دعاء الجمعة المستجابة! الطريف أن بين نهاية احتفالات «هلا بالخميس» وبداية انطلاق قذائف أدعية الجمعة نحو ست ساعات فقط لا تفعل شيئاً خلالها سوى النوم!

يحوي «واتس أب» أيضاً محادثات شخصية بين أعضاء المجموعة غالباً، لا تستمر كثيراً بسبب تدفق مقاطع فيديو من كل أصقاع الأرض، ستجد جدالاً دينياً أو سياسياً تتخلله نظريات المؤامرة الغبية، نقاشات حول الريال والبرشا. ستجد أن من تجاوز الستين تخلى عن رزانته ويصلك منه مثل الذي يصلك من مراهق! وهذا لم يحدث إطلاقاً في أي فترة سابقة.

جميعنا نتذكر الوضع في التسعينات مثلاً وحتى نهاية العقد الماضي، كنا لا نجرؤ على الحديث في توافه الأمور مع كبار السن، ونفكر ألف مرة قبل التفوه بأي كلمة أمام من هو أكبر سناً أو أعمق خبرة في الحياة خشية أن نعكس حماقتنا. لكن اليوم «واتس أب» قلب كل هذه المبادئ وأعاد صياغتها وصياغة حياتنا معها.

ألغى «واتس أب» الحدود بين البشر، فأنت تتحدث مع شقيقك في البيت أو صديقك الذي يسكن في مدينتك، بالضبط كما تتحدث مع صديق يقطن في أميركا!

بالعربي: جلوسك مع صديق في مقهى ليس كجلوسك معه في طائرة! الأول لقاء قصير، والثاني لقاء طويل نسبياً يكون مقدمة لسفرك معه، وفي السفر ترتبط بصاحبك ارتباطاً وثيقاً بحكم الغربة. «واتس أب» يؤثر فينا نفسياً بالطريقة نفسها، فجميعنا مرتبطون افتراضياً به، حيث لا توجد حدود وحيث أصبح القاصي دانياً. عندما تلغى الحدود بين البشر تتكشف الشخصيات أكثر وتسقط الأقنعة جزئياً أو كلياً.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر