5 دقائق

اقتصاد الإدمان

عبدالله القمزي

كان يوم العيد خير شاهد على التغيّر الذي طرأ على سلوكنا ابتداءً من هذا العقد. الكل مطأطئ رأسه وعينه على شاشة هاتفه الذكي، والصمت يخيّم على الجميع، ما عدا همسات هنا وهناك.

الملل هو دائماً أسوأ ما

نتوقّعه، ونسعى لتجنّبه

بشتى الطرق.

في اليوم نفسه، ذهبت إلى مقهى في دبي مول، ولاحظت أن الشاب الجالس إلى الطاولة المجاورة لم يخرج من تطبيق «إنستغرام» مدة قاربت الساعة ونصف الساعة، بينما كان أصدقاؤه منهمكين في أحاديث. لو سألت أحد الزائرين في المجلس لماذا تشغل نفسك في الجهاز وتمتنع عن مشاركتنا الحديث؟ فسيقول لك الكلمة التي لم نعرفها سوى هذا العقد، وهي: العيد ملل، والعيد لم يكن كذلك قط منذ أن جئنا إلى هذه الدنيا.

العيد ليس مُملاً، لكن هؤلاء يقولون ذلك لأنهم، في واقع الأمر، مدمنون على استخدام أجهزتهم الذكية أو ما يعرف بإدمان التقنية، وهنا أسباب الإدمان:

أولاً، المكافأة: كلما تدخل إلى «فيس بوك» أو «إنستغرام» أو «تويتر» قد تجد 10 تنبيهات، آخر مشاركة لك على «إنستغرام» قد تحظى بـ20 لايك أو 200. نظام المكافآت هذا آسر لأسباب لا تحتاج إلى شرح، وهو ما يدفع المستخدم إلى العودة من أجل المزيد كلما خرج من التطبيق.

أي تغذية مرجعية Feedback تأتيك فوراً وتتغير كل دقيقة، وهذا ما يتسبب في تكوين عقلية مشابهة لعقلية لاعب القمار، فهي صعبة المقاومة، وتجعل الشخص يشعر أنه بحاجة إلى العودة.

ثانياً، الإلهاء لأن الملل هو دائماً أسوأ ما نتوقعه، ونسعى لتجنّبه بشتى الطرق، وبحسب دراسات عديدة حول الملل فإن الإنسان يشعر به بمجرد مرور 20 دقيقة دون أن يفعل شيئاً.

ثالثاً، العرض التلقائي: في 2012 أطلقت «نتفليكس» ميزة المشاهدة المتتالية أي مشاهدة حلقات مسلسل دون توقف بشكل تلقائي دون الحاجة إلى ضغط زر. بعدها بفترة قصيرة أضافت «فيس بوك» و«يوتيوب» الميزة نفسها، ونتيجة لذلك ازدادت نسبة المشاهدة بشكل فاق التوقعات.

أيضاً، اتجه مصمّمو تلك المنصات إلى إضافة ميزة المرور بلا حدود، أي أن المستخدم يمر على المحتوى من أعلى الشاشة إلى أسفلها دون أي نهاية للمحتوى، وحتى لو كان عدد من يتابعهم محدوداً فإن نظام المنصة يضع له مقترحات من الممكن أن تزيد المحتوى وتحوّل الدقائق الخمس إلى ساعات دون أن يشعر.

رابعاً، مقياس تفاخر: في ثقافتنا الناس مهووسة بمطاردة المستخدمين للحصول على متابعتهم، ووصل الأمر إلى شراء الناس حسابات وهمية لمجرد التفاخر برقم معيّن، وهو لا يعني شيئاً إطلاقاً، ولا يفعل شيئاً سوى إطلاق مادة دوبامين في الدماغ، وهذه المادة تؤثر في السلوكيات ومسؤولة عن الشعور بالرضا والسعادة والإدمان.

بالعربي: قبل أزمة 2008 المالية كانت أكبر الشركات في سوق الأسهم الأميركية هي: «إكسون موبيل»، و«جنرال إلكتريك»، و«مايكروسوفت»، و«إيه تي أند تي». أما الآن فقد سيطرت شركات التقنية، مثل «أبل»، و«أمازون»، و«غوغل»، و«مايكروسوفت»، حيث يشكل قطاع التقنية نسبة 26% من قيمة أسواق الأسهم في الولايات المتحدة اليوم، وهو أكبر قطاع في الاقتصاد الأميركي حتى الآن، وسجل ارتفاعاً كبيراً بنسبة 16% منذ وقوع تلك الأزمة إلى اليوم. وللحديث بقية.

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه. 

تويتر